باب ما جاء في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمر (وفيه حديثان)
 

حديث أم زرع([1])

 

* حدثنا علي بن حجر، حدثنا عيسى بن يونس عن هشام عن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: «جلست إحدى عشرةَ امرأةً فتعاهَدْنَ وتَعاقَدْنَ أنْ لا يكتمن من أخبار أزواجهنَّ شيئاً:

(فقالت الأولى): زوجي لحمُ جَمَلٍ غَثَّ([2]) على رأسِ جَبَلٍ وَعْرٍ([3])، لا سهلٌ فَيُرْتَقَى ولا سَمينٌ فَيُنْتَقَلْ([4]).

(قالت الثانية): زوجي لا أُثِيرُ خَبَرَه([5])، إني أخاف أنْ لا أَذَرَهُ([6])، إنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَه وَبُجرَه([7]).

(قالت الثالثة): زوجي العَشَنَّق([8])، إن أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وإن أسكُتْ أُعَلَّق([9]).

(قالت الرابعة):  زوجي كَلَيْلِ تِهَامةَ([10])، لا حَرَّ ولا قَرَّ([11])، ولا مَخَافَةَ ولا سَآمَةَ([12]).

(قالت الخامسة): زوجي إنْ دَخَلَ فَهِدَ([13])، وإنْ خَرج أَسِدَ([14])، ولا يَسْأَلُ عما عَهِدَ([15]).

(قالت السادسة): زوجي إنْ أَكَلَ لَفَّ([16])، وإن شَرِبَ اشْتَفَّ([17])، وإن اضْطَجَعَ التَفَّ([18])، ولا يُولِجُ الكَفَّ لِيَعلمَ البَثَّ([19]).

(قالت السابعة): زوجي عَيَايَاءُ – أو غَيايَاءُ([20])-، طَبَاقَاءَ([21])، كلُّ داءٍ له داءٌ([22])، شَجَّكِ أو فلَّكِ أو كُلاَّلَكِ([23]).

(قالت الثامنة): زوجي المَسُّ مسُّ أَرْنَبْ([24])، والريح ريحُ زَرْنَبْ([25]).

(قالت التاسعة): زوجي رفيعُ العِمادِ([26])، طويلُ النِّجادِ([27])، عظيمُ الرَّمادِ([28])، قريبُ البيت مِنَ النَّادِ([29]).

(قالت العاشرة): زوجي مَالِكٌ، وما مَالِكٌ([30])؟ مَالِكٌ خيرٌ مِنْ ذَلِكَ([31])، له إبلٌ كثيراتُ المبارِكِ([32])، قليلاتُ المَسارِح([33])، إذا سَمِعْنَ صوتَ المزْهَر أَيْقَنَّ أنَّهُنَّ هَوَالِكٌ([34]).

(قالت الحادية عشرة): زوجي أبو زَرْع، وما أبو زَرْع([35])؟ أَنَاسَ من حُليٍّ أُذُنَيَّ([36])، ومَلأَ من شحْمٍ عَضُدَيَّ([37])، وبَجَحَني فبجَحَتْ إِليَّ نَفْسي([38])، وَجَدني في أهل غُنَيْمَةٍ بِشِقٍ([39])، فجعلني في أهل صَهيلٍ وأَطيطٍ ودائِسٍ ومُنقٍ([40]) فعِنْدَهُ أقول فلا أُقَبَّحُ([41])، وأرْقُدُ فأتصَبَّحُ([42])، وأشربُ فأتقمَّحُ([43])، أُمُّ أبي زَرْعٍ فما أُمُّ أبي زرع؟ عُكُومُها رَدَاحٌ([44])، وبيتُها فَسَاحٌ([45])، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضْجَعُهُ كَسَلِّ شَطْبَةٍ([46])، وتُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ([47])، بنتُ أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طَوْعُ أبيها وطَوْعُ أُمِّها([48])، ومِلءُ كِسائِها([49])، وغَيْظُ جارَتِها([50])، جاريةُ أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تَبُثُّ حديثنا تَبْثِيثاً([51])، ولا تنقثُ مِيرَتَنا تَنقِيثاً([52])، ولا تملأُ بيتنا تعْشِيشاً([53]).

قالت([54]): خرج أبو زرع والأَوْطابُ تُمْخَضُ([55])، فلَقِي امرأةً معها وَلَدَان لها كالفَهدين([56]) يلعبان من تحت خَصرها برُمانَتَيْنِ([57])، فَطَلَّقَنِي([58]) ونَكَحَها، فَنَكَحْتُ بعده رجلاً سَرِيَّاً([59])، رَكِبَ شَرِيَّاً([60])، وأخذَ خطِّياً([61])، وراح عَليَّ نِعَماً ثَرِياً([62])، وأعطاني من كلِّ رائحةٍ زَوْجاً([63])، وقال: كلي أم زرع، ومِيرِي أهلَك([64]). فلو جمعتُ كلَّ شيءٍ أعطانيه ما بَلغَ أصغر آنيةِ أبي زرع([65]).

قالت عائشة رضي الله عنها: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنتُ لكِ كأبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ». (صحيح).

 

* أهم المصادر والمراجع:

- كتاب الشمائل المحمدية: د. مصطفى البغا.

- كتاب الشفا: القاضي عياض.

 

 

 

([1] )من نساء الجاهلية، قيل: ن اسمها عاتكة، كما في فتح الباري.

([2] )لحمُ جَمَلٍ غَثَّ: أي مجهول. شبهته بذلك لقلة خيره، فإن لحم الجمل ليس من الطيبات خصوصاً لو كان هزيلاً.

([3] )على رأسِ جَبَلٍ وَعْر: أشارت إلى أنه مع قلة خيره، لا يوصل لما عنده بسهولة، لبخله وكبره وشموخ أنفه.

([4] )لا سهل فَيُرْتَقَى ولا سَمينٌ فَيُنْتَقَلْ: أي لا سهل فيصعد إليه بسهولة، ولا كاللحم السمين فينتقل إلى البيوت للانتفاع به، ولكنه يُترك حيث هو لرداءته.

([5] )لا أُثِيرُ خَبَرُه: أي أظهر وأبث عيبه.

([6] )إني أخافُ أنْ لا أَذَرَهُ: فاعتذرت عن التفصيل بأنه طويل، وتخاف لو ذكرته أن يطلقها.

([7] )إنْ أذكره أذكر عجَرَه وبُجرَه: أرادت أنها إن ذكرت عيوبه ذكرتها كلها ظاهرة وباطنة.

([8] )العشَنَّق: الطويل الممتد وهو في الغالب دليل السفه وسوء الخلق.

([9] )إن أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وإن أسكُتْ أُعَلَّق: أي أنها إن ذكرت ما فيه من العيوب ووصله الخبر طلقني، وإن أسكت عنها غضباً عليه أو أدباً معه تركني كالمعلقة، لا أنا بالأديم ولا بذات البعل.

([10] )كَلَيْلِ تِهامة: تشبهه باعتدال المزاج وعدم الأذى وسهولة أمره، وتهامة: تطلق على مكة وما حولها من القرى، والمراد بها هنا الأمكنة المعتدلة الطقس.

([11] )لا حَرَّ ولا قَرَّ: أي لا شديد الحرارة ولا شديد البرودة، أي أن أخلاق زوجها حسنة.

([12] )ولا مَخَافَة ولا سَآمة: والمعنى أن زوجها يحمي الذمار، ولا يسأم الناس لسعة أخلاقه، وحسن طباعه، ولا يسأم الناس منه لحسن عشرته وشفقته ورحمته.

([13] )إنْ دَخَلَ فَهِدَ: وهذه المرأة لا يظهر من عبارتها ما تريده من مدح أو ذم. فإن كانت تريد المدح فيكون المعنى أن زوجها إن دخل عليها وثب لجماعها كالفهد، وأغمض عينيه عما أفقدته من ماله أو من متاع البيت كرماً وحلماً.

     وإن فصدت الذم يكون المعنى أنه كالفهد في الوثوب عليها وضربها بلا سبب، وأنه كثير النوم والغفلة، في أمور بيته وأهله.

([14] )وإنْ خرجَ أضسِدَ: وهذا كذلك يحتمل المدح والذم، فإن كانت تريد المدح صار المعنى: أنه إذا خرج وخالط الناس صار كالأسد في القوة والشجاعة. وإن كانت تريد الذم صار المعنى: أنه يصير كالأسد في حمامته وسرعة غضبه.

([15] )ولا يَسْأَلُ عما عَهِدَ: أي لا يسأل عما علم في بيته من مطعم ومشرب وغيرهما، إما تكرماً وإمّا غفلة، فهنا محتمل للمدح والذم أيضاً.

([16] )إنْ أكلَ لفَّ: أي لا يبقى شيئاً من الطعام لعياله من نهمته وشرهه.

([17] )إنْ شَرِبَ اشْتَفَّ: أي استوعب كل ما في الإناء.

([18] )إن اضْطَجَعَ التَفَّ: أي وإن تهيأ للنوم تلفف بغطائه وحده لعدم مبالاته بمن يشاركه الفراش.

([19] )ولا يُولِج الكف ليعلم البثَّ: أي لا يدخل كفه إلى بدنها ليعلم ما يكون بها من حزن أو مرض لقلة شفقته عليها.

([20] )زوجي عَيَايَاءُ أو غياياء: عياياء: هو من الإبل أن يعي الفحل عن الضرب، والمراد أنه عنين لا قدرة له على الجماع. وقيل هو العاجز عن أحكام أمره بحيث لا يهتدي لوجه مراده.

     أو غياياء: أو هنا ليست للشك لعدم تساوي المعنى بين الوصفين، ويحتمل أنه بمعنى بل، وغياياء: بمعنى ذو غي وهو الضلالة.

([21] )طَبَاقَاءَ: وهو الذي أطبقت عليه أموره، يقال فلان طباقاء إذا لم يكن صاحب غزو ولا سفر، أو هو الثقيل الذي يطبق صدره على صدر امرأته عند الحاجة إليها فيرتفع أسفله عنها فلا يحصل لها منه إلا الإيذاء والعذاب.

([22] )كلُّ داءٍ له داءٌ: أي كل ما عرف من العيوب مجتمع فيه.

([23] )شَجَّكِ أو فَلَّكِ أو كُلاَّلَكِ: الشج: الجراحة في الرأس خاصة، والفل: هو الكسر والضرب، وقولها هنا بمعنى: أنها معه بين شج الرأس أو كسر عضو من جسدها، أو أنه يجمع عليها الاثنين.

([24] )المَسُّ مسُّ أَرْنَبْ: تريد انه لين الملمس.

([25] )الريح ريح زَرْنَبْ: الزرنب نوع من أنواع الطيب.

([26] )رفيع العماد: أي شريف النسب والحسب.

([27] )طويلُ النِّجادِ: النجاد حمائل السيف، تريد طول قامته، فإنها إذا طالت طال نجاده، وهذا من أحسن الكنايات.

([28] )عظيمُ الرَّمادِ: لكثرة الطبخ وهذا إشارة إلى الكرم.

([29] )قريبُ البيت من النَّادِ: وأصله النادي، فخفف بحذف آخره للسجع، وهو مجلس القوم، وقرب البيت من النادي فيه إشارة إلى الكرم وحب الاعتناء بالضيف.

([30] )زوجي مَالِكٌ، وما مَالِكٌ؟ مالك: هو اسم زوجها. وهذه الوحيدة التي ذكرت اسم زوجها وبهذه الصيغة لتعظيم امره وتفخيمه.

([31] )مالِكٌ خيرٌ من ذلك: أي هو خير من كل زوج سبق.

([32] )المبارك: جمع مبرك وهو محل بروك البعير.

([33] )المسَارح: جمع مسرح وهو مكان الرعي، والمعنى أن الإبل عنده لا تسرح كثيراً لكثرة إتيان الضيوف إليه، فلا يتمكن من الخروج بها إلى مسارحها. وهذا أرادت أن تصفه بالكرم.

([34] )إذا سَمِعْنَ صوتَ المِزْهر أَيْقَنَّ أنَّهُنَّ هوالِكٌ: والمزهر آلة من آلات اللهو، وقيل: هي العود، وقيل: دف مربع. ويُضرب عليها لتسلية الضيوف. أرادت أن الإبل إذا سمعت صوت آلة الطرب والفرح ومعمعان النار عرفت أن ضيفاً قد طرق فتيقنت هلالها.

([35] )وما أبو زرع: تفخيم أمره وتعظيمه.

([36] )أَنَاسَ من حُليٍّ أُذُنَيَّ: أناس: بمعنى أثقل، أي ألبسها الكثير من الحلي.

([37] )ومَلأَ من شحْمٍ عَضُدَيَّ: المراد أنه سمنها من كثرة إحسانه إليها.

([38] )وبجحني فبجحتْ إليَّ نفسي: أي عظّمني فعظمت إلي نفسي.

([39] )وَجَدني في أهل غُنيمةٍ بشقٍ: أي خطبني من أهلي وكانوا أصحاب غنم قليلة وفي حياتهم مشقة.

([40] )فجعلني في أهل صهيلٍ وأطيطٍ ودائسٍ ومُنقٍ: الصهيل: وهو صوت الخيل، أي جعلني في أهل خيل. وأطيط: وهو صوت الإبل أي جعلني من أهل الإبل، ودائس: وهو البقر يدوس الزرع في الدارس ليخرج منه الحب، أي جعلها من أهل بقر. ومنق: منق الناس: الذين يُعهد إليهم بتنقية الحب وغربلته ليكون جاهزاً للطحن والخبز.

([41] )أقول فلا أقبح: أي إذا تكلمت لا يقبحها، أي لا يقول لها: قبحك الله، وإنما يسمع كلامها لإكرامه لها.

([42] )وأرقد فأتصبح: أي تنام الصبح وهو أول النهار، فلا يوقظها لخدمته فلقد كفاها المؤنة والخدم.

([43] )وأشربُ فأتقمَّحُ: أي أشرب حتى أدع الشرب من كثرة الري.

([44] )عُكومها رَدَاحٌ: عكوم: جمع عكم بكسر العين، وهي الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة. ورداح: عظيمة ممتلئة. والمعنى أن أعدالها متسعة مليئة بذخائرها فهي تنفق عن سعة.

([45] )وبيتها فساح: أي واسع.

([46] )مضجعهُ كسَلِّ شطبَةٍ: ومَسَلِّ: بفتح الميم والسين وتشديد اللام، السلخ. والشطبة: بالموحدة التحتانية جزء الجريدة إذا انسلخ منه الخوص، ومعناه أن محل اضطجاعه كشطبة مسلولة من جريدة وهو إشارة إلى أنه ضامر مهفهف قليل اللحم على نحو واحد دائماً.

([47] )وتشبعه ذراع الجفرة: الجفرة: أنثى ولد المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، والمعنى أنه قليل الأكل. وهي قد مدحته بالضمور والنحافة وقلة الأكل وذلك محمود في الرجال.

([48] )طوع أبيها وطوع أمها: أي مطيعة لأوامر أبيها وأمها.

([49] )وملءُ كسائها: المراد امتلاء منكبيها وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء من أعلا جسدها فلا يمسه فيصير خالياً، بخلاف أسفلها. وقيل: إنما تشير بهذه العبارة إلى سمنها وهذا مطلوب في النساء.

([50] )وغيظُ جارتها: أي إن ضرتها تغتاظ منها لجمالها وحسنها، أو ن المقصود بالجارة على الحقيقة.

([51] )لا تبثُّ حديثنا تبثيثاً: أي لا تنشر حديثنا وأخبارنا.

([52] )ولا تنقثُ ميرتنا تنقيثاً: تنقث: أي تنقص. الميرة: المقصود هنا الطعام؛ والمعنى: أنها لا تبدد طعامنا ولا تفسده لأمانتها وشعورها بالمسؤولية.

([53] )ولا تملأ بيتنا تعشيشاً: أي أنها مهتمة بتنظيف البيت وإبعاد الكناسة عنه وعدم تركها في جوانبه كأنه أعشاش الطيور.

([54] )أي أم زرع.

([55] )والأوطاب تمخض: الأوطاب جمع وطب، وهو وعاء اللبن. تمخض: أي تجهز لاستخراج الزبدة منها.

([56] )كالفهدين: في الوثوب وسرعة الحركة وهو دليل على نجابتهما.

([57] )يلعبان من تحت خصرها برمانتين: المقصود بالرمانتين الثديين.

([58] )فطلقني: في الحقيقة أن أمر الطلاق هذا وقع مفاجئاً، لأننا لم نرَ مسوغاً وسبباً لوقوعه. وفي شرح الشمائل لمحمود سامي بك تعليق جميل في هذا وهو: «وعندي أنه –أي الطلاق- كان كالمفاجأة لكل من الزوجين، أو أنه كان قريباً بينهما قبيل وقوعه، والرأي الثاني أرجح لدينا، فإذا حكمنا بما كان يحيط بأسرة أبي زرع نجد أنه لم يكن ثمة سبب مطلقاً لهذا الفراق، فقد كانت الزوجة حائزة لرضا الزوج من كل ناحية وأنجبت منه أولاداً ذكوراً وإناثاً كانوا على حد قول الزوجة قرة عين والديهما وغيظ جارتها. وكانت المحبة بينهما بالغة أقصاها، وأبو زرع قد أحاط زوجته بكل ما يضمن لها الراحة والهناء. فما الذي جرى يا ترى حتى انصرم حبل العلاقة بينهما بهذه السرعة. وعندنا أن اللوم لا يقع على أبي زرع وأن ذلك بعيد الاحتمال، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زكّاه بعد أن سمع حكايته، فقال لعائشة: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع»، ومعنى هذه التزكية أنه أقره على كل شيء فعله. وهذا الظن يكاد يكون يقيناً لولا أن رواية البخاري لهذا الحديث زادت: «غير أني لا أطلقك»، وهو إما تطمين لعائشة أو لوم لأبي زرع بأنه ما كان ينبغي أن يوقع الطلاق. والذي نظنه أن الزوجة بعد أن شعرت بالراحة والهناء والعز في عيشة أبي زرع اعتراها ما يعتري معظم النساء من الصلف والغرور وكفران العشير والتقلب، فأهملت أمر زوجها فتراخت العلاقة بينهما وفترت وانقطعت نهائياً بالطلاق على تسوية بينهما، وأنه أحس بذلك ورتب الأمر فيما بينه وبين أم زرع على هذه المفارقة، ويدل على ذلك سرعة نكاحها بعد الفراق مباشرة» الصفحة (248).

([59] )فنكحتُ بعده رجلاً سَرِيَّاً: أي تزوجت بعد أبي زرع رجلاً من سراة الناس، أي أغنيائهم وأشرافهم.

([60] )رَكِبَ شرِيَّاً: نقول: الفرس يتشرى في مشيته؛ أي يمضي بلا فتور أو انكسار، وفي هذا إشارة إلى أنه من كرام الخيل، وأن الرجل من كرام الرجال.

([61] )وأخذ خَطِّياً: خَطِّياً: وهو الرمح المنسوب إلى الخط وهي قرية بعُمان بساحل البحرين تجيد صنع الرماح.

([62] )ورَاحَ عَليَّ نِعَماً ثَرِياً أي جعلها داخلة علي في وقت الرواح وهو ما بعد الزوال. والنعم: هي الإبل والبقر والغنم. وثريا: أي كثيرة.

([63] )وأعطاني من كل رائحةٍ زوجاً: أي أعطاني من كل بهيمة ذاهبة إلى بيته في وقت الرواح وما بعد الزوال اثنين اثنين؛ والمعنى أنه شاركها على إبله وغنمه وبقره وعبيده، وهذا مبالغة في الإحسان إليها.

([64] )كلي أم زرع، وميري أهلك: وقال الزوج الثاني لأم زرع: كلي – وليس المراد هنا أكل الطعام على الخصوص وإنما المقصود حصول الاكتفاء- واكتفي وأعطي أهلك ما يحتاجون إليه.

([65] )ما بلغ أصغر أنية أبي زرع: أي أن قليل أبي زرع لا يقوم مقام كثير زوجها الثاني.