إدريس عليه السلام
 
 

إدريس: اسمُ علمٍ أَعجمي، ممنوعٌ من الصرفِ للعلميةِ والعُجمة، وهو اسمُ نبيٍّ كريمٍ صِدّيقٍ عليه السلام.

وقد وردَ في القرآن مرتين: في سورة مريم وفي سورة الأنبياء.

وردَ في سورةِ الأنبياءِ مع نبيَّيْن آخريْن في سياقِ الحديثِ عن بعض الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ قال تعالى:﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ 85/وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ                                                                               [الأنبياء:85-86].

و(إسماعيل): منصوبٌ بفعل مقدَّر، تقديره: اذكر. و(إدريسَ): منصوبٌ لأَنه معطوفٌ عليه، أي: اذكُرْ إسماعيلَ وإدريسَ وذا الكفل.

وإِدريسُ موصوفٌ هنا بأنه كان من الصابرين، ومن الصالحين.

ووردَ في سورةِ مريم في سياقِ الحديثِ عن بعضِ الأنبياءِ والرسلِ عليهم الصلاة و السلام؛ قال تعالى:﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا56/وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾[مريم: 56- 57].

أخبر الله أنَّ إدريس عليه السلام كان صِدّيقاً نبياً، وأنه رفعه مكاناً عليّاً.

و(صِدّيق) مأخوذٌ من الصِّدْق، ومقام (الصّدّيقيّة) مقامٌ عظيمٌ للمقربين عند الله، وكل الأنبياء صدّيقون، ووصف القرآن ثلاثةَ رسلٍ به، وهم: إبراهيمُ ويوسفُ وإدريسُ عليهم الصلاة والسلام.

ولم يذكر القرآن تفاصيل رفْعِ إدريسَ مكاناً عليّاً، واكتفى بذكر جملةٍ مجملة، ونبقى مع القرآن في هذه الإشارة المجملة، ولا نذهب إلى الإسرائيليات لنأخذ كيفية وتفاصيل رفْعِه، لأنه لا يجوز تفسير القرآن بما لا يثبت من الروايات والأخبار.

واللافت للنظر في التعبير القرآني أنه أخبر عن رفع إدريس عليه السلام مكاناً عليّاً، وعن رفع عيسى إلى الله، واختلف التعبير عن رفع كلٍّ منهما.

قال عن إدريس عليه السلام: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾، وقال عن رفع عيسى عليه السلام: ﴿إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: 55].

فنصَّ على رفع عيسى إلى الله، واستخدم حرف (إلى): ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾، وفي هذا إشارة إلى رفع عيسى عليه السلام بجسمه حياً إلى السماء.

ولكنه أسقط (إلى) عند الإخبار عن إدريس عليه السلام، فقال: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾، ولم يقل: ورفعناه إلينا. ودلَّ هذا على أنَّ رفع إدريس ليس كرفع عيسى عليهما السلام.

ولمَّا عُرِجَ برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء قابل إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، قال صلى الله عليه وسلم: «أَتيتُ على إدريس في السماء الرابعة».

ولم يذكر القرآن زمن نبوة إدريس عليه السلام، ولا القوم الذين أُرسل إليهم، ولا تفاصيل ما جرى بينه وبينهم، ومن ثم اختلف المفسرون والمؤرخون في تحديد زمان نبوته.

فذهب جمهورهم إلى أنَّ نبوَّته كانت متقدمة، وأنه كان بين آدم ونوح، وأنه النبي الثاني في التاريخ، ويَعُدّون قائلين: آدم، إدريس، نوح...

ولا يملك هؤلاء دليلاً على ما يقولون، لا من القرآن، ولاما صحَّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نعتبر هذا الرأي مرجوحاً.

وذهب بعض العلماء إلى أنَّ نبوة إدريس عليه السلام كانت متأخرة، بعد إبراهيم وموسى عليهما السلام، ويرجِّحون أنَّ الله بعثه إلى بني إسرائيل.

وهذا هو الراجح، وترجيحنا له اجتهاديٌّ، من خلال النظر في النصوص التي تحدثتْ عنه.

ففي سورة مريم ورد الحديث عنه بعد إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم السلام، مما يوحي بأنه جاء بعدهم، وفي سورة الأنبياء ورد الحديث عنه بعد إبراهيم ولوط وداود وسليمان وأيوب عليهم السلام، مما يوحي بأنه كان بعدهم.

وعندما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقائه بالأنبياء في السماء ليلة المعراج، أخبر عن ترحيبهم به، وتفاوتَتْ صيغ ذلك الترحيب:

فآدم وإبراهيم عليهما السلام قالا له: مرحباً بالنبي الصالح والابنِ الصالح، بينما قال له الأنبياءُ الخمسة: يوسفُ وإدريسُ وموسى وهارون وعيسى عليهم السلام: مرحباً بالنبي الصالح والأخِ الصالح.

وعُدولُ الأنبياءِ الخمسةِ عن وصفه بالابن الصالح إلى الأخِ الصالح مقصود، لأنه أخٌ لهم وليس ابناً لهم كما قال له آدم وإبراهيم عليهما السلام.

وقد ذهب بعض اللغويين إلى أنَّ اسم (إِدريس) عربي، وأنه مشتقٌّ من الدَّرْس. قال ابن منظور: «ويُقالُ: سُميَ إِدريس عليه السلام لكثرةِ دراستِه كتابَ الله، واسمُه أَخْنوخ».

وهذا كلام مردود، فقد ذكر القرآن أنَّ اسمَه إِدريس، وزعم اليهودُ في أسفار العهد القديم أنَّ اسمَه أَخنوخ، والصواب هو ما ذكرهُ اللهُ في القرآن، ولا يجوز لمسلمٍ أنْ يتركَ القرآن ويذهب للعهد القديم ليأخذ منه ما يخالف القرآن.

ولو كان إدريسُ مشتقاً من الدرسِ لما كان ممنوعاً من الصرف، وما أَجملَ ما قاله الزمخشريُّ في ردِّ هذا القول: «قيل: سُمِّيَ إدريسَ لكثرةِ دراسته كتاب الله عزَّ وجلَّ، وكان اسمه (أخنوخ).

وهذا غير صحيح، لأنه لو كان (إِفْعيلاً) - يعني على وزن (إِفْعيل)- من الدرس، لم يكنْ فيه إلّا سببٌ واحد، وهو العلمية، فكان منصرفاً. فامتناعُه من الصرفِ دليلُ العُجْمَة. وكذلك إبليسُ أعجمي، وليس مشتقاً من الإبلاس كما يزعمون، ومَنْ لم يُحقِّق ولم يتدرب بالصناعة، كَثُرَتْ منه أمثال هذه الهنات...».

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم