إلياس عليه السلام
 
 

إلياس: اسمُ علمٍ أعجمي، ممنوعٌ من الصرف، وليس عربياً مشتقاً، ولا نبحث له عن معنى اشتقاقيٍّ في اللغة العربية.

وأُطلقَ هذا الاسمُ في القرآن على أحد رسلِ الله، ووردَ ذِكْرُه في القرآن مرتين:

الأولى: في سورة الأنعام، ضمنَ أسماءِ مجموعةٍ من أنبياء اللهِ ورسلِه عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ84/وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنعام: 84- 85].

الثانية:في سورة الصافات، حيث أشارتْ إشارةً مجملةً إلى قصته، بعد الكلام عن نوحٍ وإبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ وموسى وهارون عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى:﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِين123/إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُون124/أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ125/اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ126/فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ127/إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِين128/وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ129/سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ130/إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ131/إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات:123- 132].

يُخبرُ الله في هذه الآيات أنَّ إلياس عليه السلام كان أَحدَ رسل الله، وقام بدعوة قومه إلى الله، حيث طلب منهم أَنْ يتَّقوا الله، وأنكر عليهم عبادة غير الله، ولكنَّهم كذَّبوه، فأهلكهم الله، ونجَّى إلياس عليه السلام والذين آمنوا معه، ووصفه بأَنَّه مؤمنٌ محسنٌ عابدٌ لله سبحانه.

ولم يذكر القرآنُ القوم الذين أُرسل إليهم إلياس عليه السلام، ولا المدينة التي كانوا يُقيمون فيها، ولا الزمن الذي عاش فيه إلياس، ولا كيفية إهلاكهم ونجاتِه هو والذين آمنوا معه. فهذه الأُمورُ من (مبهمات القرآن) التي لا نخوضُ فيها، ونكتفي منها بما ورد في آيات القرآن، وما صحَّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويُفهَمُ من آيات القرآن أَنَّ إلياس عليه السلام كان متأخِّراً، ولعلَّه كان بعد داود وسليمان عليهما السلام، وأنه كان من أنبياء بني إسرائيل.

ويُفْهَمُ من آيات القرآن أنَّ قومه كانوا يعبدون صنماً يُسمونه: (بعلاً)، ولذلك قال لهم: ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾؟.

وذهب بعض المؤرِّخين إلى أنَّ إلياس عليه السلام بُعِثُ إلى أهل المدينة اللبنانية (بعلبك). وأنَّ تلك المدينة الأثرية نُسِبَتْ إلى ذلك الصنم المعبود (بَعْل).

قال ياقوت في (معجم البلدان) عن بعلبك: «اسْمُها مركَّب من (بَعْل): اسمُ صنم، و(بَكّ): أصله من: بَكَّ عنقَه. أيْ: دقَّها. و: تباكَّ القوم، أي: ازدحموا.

فإما أنْ يكون نُسِبَالصنم إلى (بَك)، وهو اسمُ رجل، أو جعلوه يبكُّ الأصنام أي: يدقُّها.

هذا إنْ كان عربياً، وإنْ كان أعجمياً فلا اشتقاق».

ونتوقَّفُ في كلام ياقوت عن (بعلبك) فلا ننفيه ولا نُثبتُه، لعدم وجود أدلةٍ نعتمد عليها في ذلك.

ولا نجزمُ بحقيقةِ (بَعْل) الذي أنكر إلياس عليه السلام على قومه عبادتهم له، كما لا نملك الأدلة على تحديد مكانه وتفصيل أمره، ونعتبرُ ذلك من مبهمات القرآن.

وقد أثنى اللهُ على إلياس بقوله: ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾. أي: أبقى اللهُ لإلياس عليه السلام الذكْرَ الحسن والثناء الطيب في الأجيال القادمة من بعده، وبالذات أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، يَقتدون به في مواقفه في الدعوة إلى الله.

وأخبر اللهُ أنَّه جعل على إلياس عليه السلام سلاماً منه سبحانه وتعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾[الصافات:130].

ويلاحظ إضافة الياءِ والسين إليه: (إلْياسين).

وفي هذه الكلمة قراءتان:

الأولى: قراءةُ نافع وابن عامر ويعقوب: « آلِ ياسين». بإضافةِ (آلِ) إلى (ياسين).

والمرادُ بياسين على هذه القراءة (إِلْياس) . والمرادُ بآلِ ياسين: أتْباعُ إِلْياس الذين آمنوا به وصَدَّقوه ودخلوا في دينه، أكرمَهم اللهُ بالسلامِ عليهم.

الثانية: قراءة السبعة - عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن كثير، وأبي عمرو، وأبي جعفر، وخلف- : «إِلْياسين» بإسكانِ اللام وكسرِ الهمزة. و«إلْياسين» هو إلْياس، تَصَرَّفَ العرب فيه فأضافوا له الياء والنون، وبقيَ ممنوعاً من الصرف. وهو في الآية: ﴿ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ مجرورٌ بالفتحة بدل الكسرة للعلمية والعُجمة.

و(إلْياسين) لغةٌ ثانيةٌ في (إِلْياس)، مثل: جبريل وميكال وإسماعيل وإسرائيل، تقول: جبرائين وميكائين وإسماعين وإسرائين.

ولعلَّ الحكمةَ في استخدم اللغةِ الثانية لإِلْياس في الآية: «إِلْياسين» هي مراعاةُ الفاصلةِ القرآنيةِ للآيات التي ذكرتْ قصة إِلياس عليه السلام في سورة الصافات، ففاصلةُ الآيات مختومةٌ بالواو والنون أو الياء والنون: المرسلين، تتقون، الخالقين، الأولين، لمحضرون، المخلصين، الآخرين، إلياسين، المحسنين، المؤمنين.

فلو قال: «سلامٌ على إلياس» لما توافق مع فواصل الآيات قبلها وبعدها، ولحدَثَ فيها ما يُشبهُ (الكَسْرَ) في الشِّعْرِ العربي! فآثرت الآيةُ اللغة الثانية في (إِلْياس) المتوافقة مع فواصل الآيات.

والخلاصة: (إلْياس) اسمٌ أعجميٌّ لنبيٍّ رسولٍ عليه الصلاة والسلام، أرسله اللهُ إلى بني إسرائيل، وأنكر عليهم عبادتَهم (بَعْلاً) من دون الله. و(إِلْياسين) لغةٌ أُخرى في (إِلْياس)، متوافقةٌ مع فواصلِ آياتِ سورةِ الصافات. والكلمتان :(إِلْياس)و(إِلْياسين) ممنوعتان من الصرفِ للعلمية والعُجمة.

***

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- البرهان في علوم القرآن: الإمام الزركشي.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم