أيوب عليه السلام
 
 

أَيوب: اسمُ علمٍ أَعجمي، ممنوعٌ من الصرف، وبما أنّه أعجمي فلا نبحثُ له عن معنى أو اشتقاقٍ في العربية.

قال الفيروز آبادي في (بصائره): «أيّوبُ: اسمٌ أعجميٌّ غيرُ منصرف، كسائر نظائره، وقيل: هو عربيّ، معناه: الرّجّاعُ إلى الحقِّ في جميع أحواله، من المحنة والبلاء، والمنحة والرخاء. من: آبَ، يَؤُوب، أَوْباً وإِياباً...».

وقال أبو منصور الجَواليقيُّ في (المعرَّب): «قال أبو علي الفارسي: وقياسُ همزةِ (أيّوب) أنْ تكون أصلاً غير زائدة، لأنّه لا يخلو أَنْ يكونَ (فَيْعولاً) أو (فَعُّولاً)، فإنْ جعلْتَه (فَيْعولاً) كان قياسُه - لو كان عربياً – أنْ يكونَ من (الأَوْب)، مثلُ (قَيُّوم)، ويمكنُ أنْ يكونَ (فَعُّولاً)، مثل (سَفّود) و (كَلُّوب)، وإنْ لم يُعْلَمْ في الأمثلة هذا، لأنّه لا يُنْكَرُ أَنْ يجيءَ العَجميُّ على مثالٍ لا يكون في العربي».

ولسنا مع مَنْ يذهبون إلى أنَّ (أيوب) عربيٌّ مشتقٌّ من الأوْب، وهو الرّجوع، وأنّه على وزن (فَيْعول) أو (فَعُّول) كما قال الجواليقي، فهو اسمٌ أعجميٌّ ممنوع من الصرف للعلمية والعُجمة.

وقد ورد اسمُ أَيُّوبَ أربع مرات في القرآن:

الأولى: في سورة النساء، ضمن مجموعة من الأنبياء الكرام عليهم السلام. قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ﴾ [النساء: 163].

و(أيّوبَ) في الآية معطوفٌ على ما قبله، وهو مجرورٌ بالفتحة لأنّه ممنوع من الصرف.

الثانية: في سورة الأنعام، ضمن مجموعة من الأنبياء أيضاً. قال تعالى: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأنعام: 84].

و(أيّوبَ) في الآية منصوبٌ بالفتحة، لأنّه معطوفٌ على الأسماء المنصوبة قبله.

الثالثة: في سورة الأنبياء، في قوله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ83/فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 83- 84].

(أيّوبَ) في الآية منصوبٌ بفعلٍ مقدَّر، تقديره: اذكرْ أَيوبَ.

يخبرنا اللهُ أنّه ابتلى عبده أيوبَ عليه السلام بالضُّر، أصابَه في جسمِه وأَهله، فدعا ربَّه مستغيثاً به، طالباً منه كشفَ ضَرَّه، فاستجابَ اللهُ له، وكشفَ الضُّرَّ عنه، وآتاهُ أهلَه ومثلهم معهم رحمةً منه له.

الرابعة: في سورة ص، في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ41/ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ42/وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ43/وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب﴾ [ص: 41- 44].

(أَيوبَ) في الآية منصوبٌ لأنّه بدلٌ من المفعول به (عبدَنا).

يخبرُنا اللهُ أنَّ أَيوبَ عليه السلام لجأ إِليه ودعاه وناداه، طالباً كشف ضرّه، وإزالةِ النُّصْبِ الذي مَسَّه به الشيطان، وهو التعبُ والابتلاءُ والمرض الذي أُصيبَ به، فصبرَ واحتسب.

لقد كان أَيوبُ عليه السلام قدوةً في الصبرِ على البلاء، والرضا بقَدَرِ الله، ولم يُفَصِّل القرآنُ الابتلاءَ الذي ابتلاهُ اللهُ به في نفسه وأهله وماله، ولم يُبيّنْ ذلك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وتكلَّمت الإسرائيلياتُ كثيراً عن ابتلاءِ أَيّوب، والمرضِ الذي أَصابَه، وتفاصيلِ محنتِه، وروى كثيرٌ من المؤرِّخين والمفسّرين تلك الإسرائيليات التي لم تصحّ، والتي يتعارضُ كثيرٌ منها مع نبوّةِ أيوبَ عليه السلام.

ولا يجوزُ لنا إِيرادُ تلك الإسرائيليات، وتفسير كلام الله بها، فما أَبهمه القرآنُ من قصته وابتلائه نُبقيه على إِبهامِه، وما سكتَ عنه القرآنُ نسكتُ عنه، ويَسعُنا ما وسعَ الصحابةَ في ذلك.

ولما أراد اللهُ كشف الضرِّ عن أيوب عليه السلام، ومعافاته من المرض الذي حلَّ بجسمه، أنبعَ عينَ ماءٍ باردٍ، وأمرهُ أَنْ يغتسلَ بذلك الماء، وأَنْ يشربَ منه، فذهب عنه المرضُ الظاهري في جسمه، والباطنيُّ في بدنه، ثم عَوَّضَهُ اللهُ ما فقدَه من ماله وأهله، وآتاهُ أَهلَه ومثلَهم معهم، مكافأةً له على صبرِه وعبوديّتِه لربِّه.

***

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم