إسحاق عليه السلام
 
 

إسحاق: اسم علم أعجمي، ممنوع من الصرف. وقد ذُكِرَ في القرآن سبع عشرة مرة: في سورة البقرة ثلاث مرات، وفي سورة هود مرتين، وفي سورة يوسف مرتين، وفي سورة الصافات مرتين، ومرةً واحدةً في كلٍّ من سور: آل عمران، والنساء، والأنعام، وإبراهيم، ومريم، والأنبياء، والعنكبوت، وص.

وذهب بعضهم إلى أنه عربيٌّ من (السَّحْق) وهو البُعد.

لكنَّ هذا مردود، لأنه وردَ في القرآن ممنوعاً من الصرف، ولو كان مشتقّاً من السَّحقِ لصُرِفَ وجُرَّ بالكسرة.

قال الفيروز آبادي في (البصائر): «إسحاق عليه السلام: اسمٌ أعجميٌ غيرُ منصرفٍ للعلميةِ والعُجْمة... وقيل: مشتقٌّ من السَّحْق، والإسحاق الإبعاد، والسَّحْقُ البُعد، ومكانٌ سحيق: مكان بعيد».

والفيروز آبادي مع مَنْ يرى أنه أعجميٌّ ممنوعٌ من الصرف، وذَكَرَ الرأيَ الثاني مجردَ ذكْرٍ فقط، مع أنه لا يقول به.

وإسحاقُ بنُ إبراهيم عليهما السلام، رزقه الله به بعد ابنه البكر إسماعيلَ عليه السلام، والدليل على أنه وُلِدَ بعد إسماعيل بفترة، أنَّ سورة الصافات ذكرت مشاهد من قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه، ثم ذكرتْ تبشيره بغلامٍ حليم، ورؤياه بذبحه، ولما عزمَ على تنفيذ الرؤيا فداه الله بذبحٍ عظيم... ثم ذكرتْ تبشيره بإسحاقَ بعد ذلك.

فهذا الترتيب في الذِّكْر، وعطفُ البشارة بإسحاقَ على فداء إسماعيل الذبيح، يدل على أنَّ إسحاقَ وُلِدَ بعد ما صار أخوه شاباً، بلغ مع أبيه السعي.

وجاءت بشارةُ إبراهيمَ بإسحاق في ظرفٍ حافل، حيث أرسل اللهُ الملائكةَ لتدمير قرى قوم لوط، وكانوا متحوِّلين إلى صورة رجال، ومَرّوا على إبراهيمَ عليه السلام في طريقهم إلى قوم لوط، وبعد مفاجآتٍ بينه وبينهم، بَشَّروه بإسحاق، ومن وراء إسحاقَ يعقوب.

وكانت امرأته سارة قائمة، فلما سمعت البشارة دُهشت وضَربتْ وجهها بكفِّها، وقالت: ﴿يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: 72]، فطمأنوها بأنَّ هذه هي إرادة الله، ولا غرابة في ذلك.

وحَمَدَ إبراهيمُ عليه السلام ربَّه على نعمته عليه، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء﴾ [إبراهيم: 39].

وكانت ولادةُ إسحاقَ آيةً من آيات الله، فإبراهيمُ شيخٌ كبير، وامرأته سارة عاقر، لم تُنجبْ في شبابها، وبلغت الآن سنَّ اليأس، ويستحيل عادةً على مَنْ كانت مثلها ووصلتْ إلى عمرها أن تحملَ وتلد، لكنَّ الله أراد ذلك، وهو فعّالٌ لما يريد.

وطمأنَ اللهُ إبراهيمَ وامرأتَه سارة أنهما سَيَريانِ حفيدَهما يعقوب، قال تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: 71].

وهذا التطمينُ ضروريٌّ لهما، لأنه إذا رُزقَ الطاعن في السنِّ بمولودٍ، فإنه سيغلب على ظنِّه أنَّ ابنه سيعيش يتيماً، فطمأن اللهُ إبراهيمَ وسارة أنهما سيستمران في الحياة حتى يكبر ابنهما إسحاق ثم يتزوج وينجب حفيدهما يعقوب، فيسعَدا به ويَقَرّا به عيناً.

ولم يُفَصِّل القرآن في الحديث عن إسحاق عليه السلام، ولم يذكر شيئاً عن طفولته وشبابه ومكان إقامته، ومدة حياته، ومكان وفاته، ولم تَرِدْ أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تتحدث عن حياته، فهذه الأمور من (مُبهماتِ القرآن) التي نُبقيها على إبهامها!.

وقد أخبرنا اللهُ أنَّ دينَ إسحاقَ عليه السلام هو الإسلام، مثلُه في ذلك مثلُ أبيه إبراهيم، وأخيه إسماعيل، وابنه يعقوب عليهم السلام، ولذلك وصَّى يعقوبُ عليه السلام أبناءَه بأنْ يكونوا على هذا الدين الإسلام، لأنه دينُ آبائهم من الأنبياء، وأخبرنا الله عن ذلك في قوله تعالى: ﴿أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 133].

وهذا ردٌّ على اليهود الذين يزعمون أنَّ إسحاقَ أحدُ آبائهم، وأنهم على دينه، لأنه كان يهودياً وليس مسلماً! وهم كاذبون في هذا الزعم، لأنَّ إسحاق جاء بالإسلام، ودينه هو الإسلام، عليه الصلاة والسلام.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم