داود عليه السلام
 
 

داودُ: اسمُ علم أعجمي، ممنوعٌ من الصرفِ للعلمية والعُجمة.

وذهب بعضهم إلى أنه اسمٌ عربيٌّ مشتق من (دَوَدَ).

قال الفيروز آبادي: (داود: اسمٌ أعجميٌّ ممنوع من الصرف. وقيل: معنى داود: قصير العمر، وكان داود أقصر الأنبياء عمراً. وقيل: معنى (داود): داوى جُرحَه بوُدّ. وقيل: إنما سُميَ داود لأنّه داوى الذنوب بوُدَّه الودود. وقيل داوى ذنبه وودَّ ربَّه!).

إنَّ مَنْ ذهبوا إلى أنَّ (داودَ) عربيّ مشتقّ، اعتبروه مكوَّناً من جزأَين: المداواة والمعالجة في (داوَ). والودّ والحبّ في (ود). فصار معنى (داوود) الذي يداوي ويعالج بوُدّ وحبّ!.

وهذا تعليلٌ غريبٌ على اللغة العربية ومعاني أُصولها. فهو مرفوض.

إنَّ (داود) اسم علم أعجمي، فلا نبحث له عن أصلٍ اشتقاقيٍّ في العربية، كما لا نبحث له عن معنى أيضاً!.

وقد ورد (داودَ) ستَّ عشرةمرةً في القرآن: مرةً في كلٍّ من سور: البقرة، والنساء، والمائدة، والأنعام، والإسراء. ومرتين في سور: الأنبياء، والنمل، وسبأ. وخمس مرات في سورة ص.

وداودُ عليه السلامُ نبيٌّ رسول، وملكٌ خليفة، كان ملكاً على بني إسرائيل.

وكان بدءُ أمرِ داود عليه السلام في قصة طالوت، حيث كان مجرَّدَ جنديٍّ في جيش طالوت المؤمن، واشترك في المعركة الفاصلة ضدَّ جالوت وجنوده الكافرين، وقتل الجنديُّ المؤمنُ داودُ القائدَ الكافرَ جالوت، وانهزم الكفار بعد قتْلِ قائدهم.

وصار داودُ بعد ذلك ملكاً على بني إسرائيل، وآتاهُ الله النبوة والعلم والمُلكَ والحُكم، وبذلك جمع بين النبوةِ والمُلك.

وكانت فترةُ مُلكِ داودَ على بني إسرائيل فترةً ذهبية، وعُمْرُ مملكتِهم في الأرض المقدَّسة كان قصيراً، لعلَّه لم يزدْ على قرنٍ من الزمان، وبلغت المملكة أوجَ قوتها أثناء ملك النبيَّين داود وابنه سليمان عليهما السلام، وسرعان ما سقطت بعد ذلك سقوطاً سريعاً!.

وأنزل الله على داود عليه السلام الزبور، الذي هو مكملٌ للتورة التي أنزلها على موسى عليه السلام، والزَّبورُ أحدُ كتب اللهِ الأربعة التي يجب على كلِّ مسلم أنْ يؤمن بها. قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء:163].

وآتى اللهُ داود عليه السلام صوتاً حسناً جميلاً في ذكر الله وتسبيحه، وأجرى له معجزةً ربانية، فعندما كان يسبِّح كانت الجبال والطير تسبِّحُ معه، ويسمع صوتها وهي تسبّح، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ﴾ [الأنبياء:79].

وعلَّمَ اللهُ داود عليه السلام صنع الدروع الحديدية القوية، التي يلبسها جنوده في الحرب، وتحميهم من الأخطار بإذن الله، وكان ماهراً في إتقان هذه الصناعة الحديدية، وأشار إلى قوله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [سبأ:10-11].

وأشار القرآن إلى حادثة داود عليه السلام مع الخصمين، اللذين تسوَّرا المحراب، ودخلا عليه، ولما فزع وخاف منهما طمأناه، وعرض أحدهما القضية: يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة، ويملك الآخر نعجةً واحدة، فطمع صاحب النعاج الكثيرة بنعجة صاحبه، وأراد ضمَّها إلى نعاجه، فحكم داود عليه السلام بأنّه ظالمٌ لطمعه في نعجة صاحبه، ثم علم أنه تسرَّع في حكمه، فاستغفر ربَّه وسجد له.

وكان ابنه سليمان عليه السلام يساعده في ملكه وإدارته للبلاد. وذكر القرآن استدراك سليمان على أبيه عليهما السلام في حكم أصدره، وعدَّله له، فأخذ الأب بحكم الابن. قال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ78/21فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء:78-79].

تُشير الآيتان إلى حرثٍ لأحدهم، وهو أرضٌ مزروعةٌ زرعاً، فنزلت فيه غنمٌ لآخر ليلاً ورعته وأكلته، فحكم داود لصاحب الأرض المزروعة على صاحب الغنم الآكلة، ولما علم سليمان عليه السلام بحكم أبيه استدرك عليه وأصدر حكماً آخر، فهَّمه الله إياه، ورضي الأب بحكم الابن.

ولا توضِّح الآيات تفاصيل القضية، ولا حكم داود وحكم سليمان المعدِّلَ له، ولا تعنينا معرفة تلك التفاصيل، ونعتبرها من مبهمات القرآن.

وكان داود عليه السلام من أكثر المؤمنين عبادةً وذكراً لله، ولم يُشغله ما هو فيه من ملكٍ كبيرٍ عن عبادة الله وذكره وشكره. وقد أخبرنا رسول الله r أنه كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً، وكان يصلي بالليل كثيراً، ويقرأُ كتاب الله (الزبور) دائماً.

وداود النبيُّ الرسول الملك الوحيد الذي أخذ لقب خليفة، وذلك في قول الله له: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [ص:26].

ولم يُطلَقْ لقب (خليفة) في القرآن إلا على نبيَّين: آدم عليه السلام في سورة البقرة، وداود عليه السلام في سورة ص.

وهذا يشير إلى معنى إيمانيٍّ إسلاميٍّ خاصٍّ، في ملك داود لبني إسرائيل، ففترة حكمه وملكه يعتزُّ بها المسلمون لأنَّ حكمه لم يكن يهودياً إسرائيلياً- مع أنّه إسرائيليٌّ من حيث النسب- وإنما كان حكماً إسلامياً إيمانياً، ولذلك وصفه الله بأنّه خليفة.

وداود عليه السلام بريءٌ من اليهود الكافرين، وإنْ تمسَّحوا به، وادَّعوا أنّهم على دينه، قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:78].

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم