سليمان عليه السلام
 
 

سليمان: اسم علم أعجمي، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.

قال الجواليقيُّ في (المعرَّب): (سليمان: اسم النبي عليه السلام، عبراني. وقد تكلَّمت به العرب في الجاهلية. وقال المعرّي: ولا أعلم أنهم سمّوا به.

وإنما سمّى الناس بهذا الاسم لمّا شاع الإسلام ونزل القرآن، فسمّوا به كما سمّوا إبراهيم وداود وإسحاق وغيرهم من أسماء الأنبياء على معنى التبرّك).

ونقل الفيروز آبادي قول بعضهم: إنه عربي مشتق. قال: (سليمان: اسم أعجمي غير منصرف. وقيل: مشتق من السلامة، سمي به لاستسلام أعدائه له ولسلامته من غوائلهم).

والقول باشتقاقه مردود، والراجح أنه أعجمي، ولذلك لا نحاول معرفة معناه، لأنَّ الأسماء الأعجمية لا تُعلَّل ولا تُفسَّر في اللغة العربية.

و(سليمان) هو ابن النبي الملك داود عليه السلام، آتاه الله النبوة والمُلك مثل أبيه. وقد ورد اسمه في القرآن سبع عشرة مرة: ذُكر في سورة البقرة مرتين، وفي سورة الأنبياء ثلاث مرات، وفي سورة النمل سبع مرات، وفي سورة ص مرتين، ومرةً في سور: النساء والأنعام وسبأ.

وقد كان سليمان عليه السلام مساعداً لأبيه داود في حياته، ولما توفي ورثه في النبوة والرسالة، وفي الملك والخلافة، كما قال تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ [النمل: 16].

ولم يرثه في الأموال والممتلكات، لأنَّ سنة الله في الأنبياء أنهم لا يورثون في الأموال ومتاع الحياة الدنيا، فإنْ تركوا شيئاً من ذلك كان صدقةً في سبيل الله!.

ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله r: «نحن معاشر الأنبياء لا نورَثُ، ما تركناه صدقة...»!.

وكانت فترة حكم سليمان عليه السلام فترةً ذهبية، حيث ورث عن أبيه مملكةً إسلاميةً قويةً، وزاد هو في قوتها وامتدادها.

وقد سخَّر الله لسليمان الإنس والجن والطير والريح، فكان الجن يعملون بين يديه. قال تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ12/يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: 12- 13].

والجن ماهرون في الصناعة، نشيطون في العمل، وقد استفاد سليمان عليه السلام من مهاراتهم وإتقانهم، و صار في عهده تقدُّم صناعي كبير، تمثَّل في مصنوعاتهم من المحاريب والتماثيل والجفان الكبيرة كالجوابي الضخمة والقدور الكبيرة الراسية المثبتة في الأرض!.

وفجَّر الله لسليمان عليه السلام النحاس من باطن الأرض، قال تعالى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: 12]. والقطر: النحاس المذاب.

وعلَّم الله سليمان منطق الطير، فكان يفهم لغة جنوده من الطير، كما يفهم لغة الجن.. وبينما كان يسير مع جنوده من الجن والإنس والطير مرُّوا على وادي النمل فسمع نملةً تقول لقومها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: 18]، فأُعجب سليمان بنصحها لقومها وحرصها عليهم، و﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ [النمل: 19].

وكان الهدهد جندياً في جيشه، ولما غاب فقده وهدَّده، ولما عاد الهدهد قدَّم لسليمان تقريراً عجيباً عن مملكة سبأ في اليمن، وجرى بينهما حوارٌ وأحداث عرضتها آيات سورة النمل.

وسخَّر الله لسليمان عليه السلام الريح حيث جعلها تسير بأمره، تحمل الغيث والخصب والرخاء لشعبه لأنهم عبدوا الله وأطاعوا وشكروه.

وكان سليمان عليه السلام داعيةً إلى الإسلام، ولما علم من الهدهد عن ملكة سبأ، وعبادتها وقومها الشمس من دون الله، قام بواجبه في دعوتهم إلى الله، وكلَّف الهدهد بحمل رسالةٍ إليهم، جعل نصها: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ3/أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل:30-31].

ولما رفض هدية ملكة سبأ التي حملها الوفد وأصرَّ على دعوتهم إلى الله علم أنهم سيأتونه مسلمين، فطلب إحضار عرش ملكتهم قبل وصولها، وقام أحد الرجال عنده بإحضار العرش من صنعاء إلى القدس، قبل أنْ يرتدَّ طرف سليمان إليه وهذا لا يتجاوز بضع ثوانٍ! وكان الأمر معجزةً من الله وكرامةً لهذا الرجل الصالح الذي عنده علمٌ من الكتاب أجراها الله على يديه.

ولما وصلت ملكة سبأ مقرَّ سليمان فاجأها بمفاجآت، انبهرت بها وعلمت قوة سليمان، وأنّه أقوى منها، وأنَّ الله معه لأنّه على حقٍّ وهي على باطل، وصرَّحت قائلة: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل:44].

ودعوة سليمان عليه السلام إلى الإسلام تدل على أنَّ دينه كان هو الإسلام- بمفهوم العام- وأنَّ حكمه كان حكماً إسلامياً وليس حكماً يهوداً ولا يحقُّ لليهود الادعاء بذلك، فرغم أنّه كان إسرائيلياً من حيث النسب إلا أنه كان مسلم الدعوة والدين والحكم والمنهاج والطريق. وهذا ردٌّ على مزاعم اليهود الكافرين بأنهم ورثة حكم سليمان وأنه بنى (الهيكل) الذي يمثلهم.

وبما أن حكم سليمان عليه السلام كان إسلامياً فقد جدَّد بناء المسجد الأقصى في بيت المقدس الذي كان أول منْ بناه هو إبراهيم الخليل عليه السلام، ويبدو أنه في الفترة الزمنية بين إبراهيم وسليمان عليهما السلام- وتُقدَّر بآلاف السنين- كان قد هُدم وبني أكثر من مرة، فجدَّد سليمان عليه السلام بناءه، ليصلي فيه المسلمون من شعبه.

روى النَّسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله r قال: «إنَّ سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس، سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثةً: سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه، فأوتيه. وسأل الله عز وجل حكماً لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه. وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا يَنْهَزُهُ إلا الصلاة فيه، أن يخرجه من خطيئته يوم ولدته أمه...».

فهذا الحديث الصحيح ردٌّ واضح على مزاعم اليهود حول (هيكل سليمان)! إنه لم يَبْنِ هيكلاً يهودياً تلمودياً باطلاً، وإنما بنى مسجداً لعبادة الله والصلاة فيه.

وجعل الله موت سليمان عليه السلام آيةً وعبرةً ودليلاً على عدم علم الجن بالغيب، فقد كان بعض الجن يعملون أعمالاً شاقة لسليمان عليه السلام، وكان هو واقفاً أمامهم، متوكئاً على عصاه، فأماته الله وهو على هذه الحالة، ولم يشعر الجن بموته، وأرسل الله دابة الأرض - الأَرَضَة- فأكلت عصاه ونخرتها، فكسرت العصا وسقطت جثة سليمان عليه السلام على الأرض، وفوجئ الجن بموته الذي مضى عليه ساعات! وبذلك علموا أنهم لا يعلمون الغيب. وأشار إلى هذا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ: 14].

وبوفاة سليمان عليه السلام انتهى العصر الذهبي للدولة الإسلامية التي أقامها على الأرض المقدسة، وانتهت الدولة المؤمنة لبني إسرائيل، ووقع التنازع والاختلاف بين خلفائه من بعده، وانقسمت الدولة اليهودية إلى دولتين: واحدة في الشمال، وأخرى في الجنوب، ثم دُمِّرت الدولتان بعد ذلك، وكتب الله على اليهود الشتات في الأرض، وغضب عليهم ولعنهم بسبب كفرهم وبغيهم.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم