علوم القرآن وعلم التفسير
 
 

* تعريف علوم القرآن:

إن التعريف بعلوم القرآن الكريم ينطلق من معنيين: الأول، المعنى الإضافي، والثاني، المعنى الموضوعي.

أمّا تعريف علوم القرآن بالمعنى الإضافي – أي: إضافة لفظ (علوم) إلى لفظ (القرآن) – فإنه يشير إلى جميع المعارف والعلوم المتصلة بالقرآن الكريم، ومن هنا كان اللفظ بالجمع (علوم) لا بالإفراد..لأن المراد شمول كل علم بحث في القرآن الكريم من أي ناحية من نواحيه المتعدّدة والمتنوعة..

فيشمل ذلك: علم التفسير، وعلم القراءات، وعلم الرسم العثماني، وعلم غريب الألفاظ، وعلم الإعجاز، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم المحكم والمتشابه، وعلم الإعراب، وعلم المجاز، وعلم الأمثال، إلى غير ذلك من العلوم الكثيرة التي توسّع العلماء في بحثها، وأفردوا لها المؤلفات الكثيرة...

فتعريف علوم القرآن بالمعنى المتقدم: هو الفنّ المدوّن في موضوع متكامل...

ولقد كانت علوم القرآن مبعثرة متناثرة في بطون الكتب والمصنفات، فأصبحت مدوّنة في مصنفات خاصّة، تحمل طابع الشمول والإحاطة لما تضم من مباحث متعدّدة...

أما تعريف علوم القرآن بالمعنى الموضوعي: - أي: من حيث ما تبحث فيه تلك العلوم وهو القرآن الكريم – فهو كما ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه (قانون التأويل)، : (أن علوم القرآن خمسون علماً وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم، على عدد كَلِمِ القرآن)!!..

وهذه العلوم على كثرتها وتعدّدها ترجع إلى ثلاثة أقسام: توحيد، وتذكير، وأحكام، فالتوحيد – أي: العقيدة- يدخل فيه معرفة الإيمان بالله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، واليوم الآخر، والكتاب، والنبيين، والقدر، والملائكة. والتذكير: ويدخل فيه الوعد الوعيد، أي: الجنة والنار، والترغيب والترهيب، وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام: ويدخل فيها التكاليف كلها من الأمر والنهي والإباحة والندب والحلال والحرام، والنفع والضرر، إلى غير ذلك...

وأمّا تعريف علم التفسير:

فهو عِلمٌ يُعرف به فهم كتاب الله سبحانه المنزل على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان، وأصول الفقه وعلم القراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وقد أكثر العلماء فيه من الموضوعات؛ ما بين مختَصَرٍ ومبسوط، وكلهم يقتصر على الفن الذي يغلب عليه.

ومن المعلوم أن الله تعالى إنما خاطب خلقه بما يفهمونه، ولذلك أرسل رسله يبلغون قومهم كتاب ربهم بلغتهم؛ وإنما احتيج إلى التفسير لما سنذكره بعد تقرير قاعدة؛ وهي أن كل من وضع من البشر كتاباً فإنما وضعه ليفهم بذاته، من غير شرح؛ وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة:

أحدها: كمال فضيلة المصنف، فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز، فربما عسر فهم مراده، فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية؛ ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه، أدلَّ على المراد من شرح غيره له.

ثانيها: قد يكون حذف بعض مقدمات الأقيسة، أو أغفل فيها شروطاً اعتماداً على وضوحها، أو لأنها من علم آخر، فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.

ثالثها: احتمال اللفظ لمعان ثلاثة؛ كما في المجاز والمشترك، ودلالة الالتزام؛ فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه، وقد يقع في التصانيف ما لا يخلو منه بشر من السهو والغلط وتكرار الشيء، وحذف المبهم، وغير ذلك؛ فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.

وإذا علمت هذه القاعدة فنقول: إن القرآن إنما نزل بلسان عربي مبين في زمن أفصح العرب؛ وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه فإنما كانت تظهر بعد البحث والنظر، مع سؤالهم النبي عليه الصلاة والسلام في الأكثر؛ كسؤالهم لما نزل قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [سورة الأنعام: 82]، فقالوا: أينا لم يظلم نفسه! ففسره النبي عليه الصلاة والسلام بالشرك؛ واستدل عليه بقوله تعالى: ﴿إِِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة لقمان: 13]. وكقصة عدي بن حاتم التي رواها الإمام مسلم في كتاب الصوم 33، عن عدي بن حاتم: لما نزلت: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [سورة البقرة: 187]، قال له عدي: يا رسول الله، إني أجعل تحت وسادتي عقالين، عقالاً أبيض وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن وسادك لعريض؛ إنما هو سواد الليل وبياض النهار)، وغير ذلك مما سألوا عنه، ولم ينقل إلينا عنهم تفسير القرآن وتأويله بجملته؛ فنحن نحتاج إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ما لم يكونوا محتاجين إليه من أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم؛ فنحن أشدُّ منهم احتياجاً إلى علوم التفسير.

ثم إن التفسير القرآن يكون بعضه من قبيل بسط الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها، وبعضه يكون من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض لبلاغته ولطف معانيه؛ ولهذا لا يستغنى عن قانون عام يعول في تفسيره عليه، ويرجع في تفسيره إليه، من معرفة مفردات ألفاظه ومركباتها وسياقه وظاهره وباطنه، وغير ذلك مما لا يدخل تحت الوهم، ويدق عنه الفهم.

ومما تقدم في تعريف علوم القرآن وعلم التفسير، يتبينّ لنا جلياً الفارقُ بينهما... بأنّ علوم القرآن تشمل علم التفسير، فالأول أعم، والثاني أخص...

وبعد هذا.. نأتي لمعرفة استمداد علم التفسير، ثم معرفة أقسامه وأنواعه.

* * *

* أهم الصادر والمراجع:

- قانون التأويل: القاضي أبو بكر بن العربي.

- الإتقان في علوم القرآن: السيوطي.

- مباحث في علوم اقرآن: مناع القطان.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم