الإنجيل
 
 

الإنجيل: اسمٌ لكتاب الله المنزَّل على عيسى عليه السلام.

وذهب بعضهم إلى أنّه كلمةٌ عربيةٌ مشتقة. وقد نقل السمين الحلبي اختلافهم في مادة اشتقاقه فقال:«الإنجيل:قيل: هو على وزن (إِفعيل)، مثل: إِجفيل. وفي وزنه أقوال:

أحدهما: أنّه مشتقٌ من (النَّجْل) وهو الماء الذي ينزُّ من الأرض ويخرج منها. والنَّجْلُ الولد. وسمي الإنجيل لأنّه مستخرجٌ من اللوح المحفوظ.

وقيل: مشتقٌ من (النَّجْل) وهو الأصل، والنَّجْلُالوالد. فهو من الأضداد يطلق على الوالد وعلى الولد.

وقيل: مشتقٌ من (النَّجَل) وهو التوسعة، والعينُالنجلاءُ لسعتها. وسمي الإنجيل بذلك، لأنَّ فيه توسعةً لم تكن في التوراة، إذ حُلَّل فيه أشياءُ كانت محرمَّة.

وقيل: مشتقٌ من (التناجل) وهو التنازع، يقال: تناجل الناس، أي: تنازعوا. وسمي الإنجيل بذلك لاختلاف الناس فيه».

والراجحُ أنَّ الإنجيل اسم علمٍ أعجمي، لا صلة بينه وبين المادة العربية: (النَّجْل) التي هي بمعنى الأصل أو الواسع.

وهذا ما رجَّحه الزمخشريُّ في التوراة والإنجيل أنهما اسمان أعجميان.

قال: «التوراة والإنجيل: اسمان أعجميان. وتكلَّف من قال باشتقاقهما من (الوري والنَّجْل)، ووزنهما بوزن (تَفْعِلَةَ وأَفْعيل)، وهذا يصحُّ بعد كونهما عربيَّين. وقرأ الحسن (أَنجيل) بفتح الهمزة، وهذا دليلٌ على العجمة لأنَّ(أَفعيل)- بفتح الهمزة – عديمٌ في أوزان العرب».َ

ورفض محمد الطاهر ابن عاشور القول باشتقاق الإنجيل. قال:« هو اسمٌ معرَّب. قيل: من الرومية، وأصله (إثَانْجَيْلِيُوم)، أي: الخبر الطيب. فمدلوله مدلول اسم الجنس، ولذلك أدخلوا عليه كلمة التعريف في اللغة الرومية فلما عرَّفه العرب أدخلوا عليه حرف التعريف... وهو في اليونانية: أووَانَيْلِيُون)، أي: اللفظ الفصيح.

وقد حاول بعض أهل اللغة والتفسير جعله مشتقاً من النَّجْل، وهو الماء الذي يخرج من الأرض. وذلك تعسُّفٌ أيضاً.

وهمزة (الإنجيل) مكسورةٌ في الأشهر، ليجري على وزن الأسماء العربية،لأنَّ (إفعيلاً) موجودٌ بقلَّةٍ مثل (إنْزيم)، وربما نطق به بفتح الهمزة وذلك لا نظير له في العربية».

إذن: (الإنجيل) كلمةٌ أعجمية، فلا نبحث لها عن معنى في العربية، ولا عن مادة اشتقاقه وكل ما قيل عن عربيته واشتقاقه فهو مردود.

ولم يرد (الإنجيل) في القرآن إلا معرَّفاً بـ(أل التعريف)، ولذلك جاء مصروفاً، لأنَّ الممنوع من الصرف إذا عُرَّف بـ(أل التعريف) صار مصروفاً، فدخله التنوين وجرَّ بالكسرة.

وورد الإنجيل اثنتا عشرة مرةً في القرآن: ثلاث مراتٍ في سورة آل عمران، وخمس مراتٍ في سورة المائدة، ومرةً في كلًّ من الأعراف والتوبة والفتحوالحديد.

وأنزل الله الإنجيل على عيسى عليه السلام وجاء مكمَّلاً للتوراة ومصدَّقاً لها، وأحلَّ الله فيه على بني إسرائيل: (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحلَّ لكم بعض الذي حُرم عليكم وجئتكم بأية من ربكم) [آل عمران:50].

والإنجيل مصدقٌ للتوراة وموافقٌ لها في كثير من الأمور منها البشارة بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) [الأعراف: 157].

والإنجيل مصدَّق للتوراة في الحثَّ على الجهاد وقتال أعداء الله، وتبشير الشهداء بأجرهم عند الله. قال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنيين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله) [التوبة:111].

وبما أن الإنجيل كتاب الله فقد وصفه الله بأنَّه هدى ونور. قال تعالى: (وقفينا على أثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وأتيناه الإنجيل فيه هدىً ونورٌ و مصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظةً للمتقين) [المائدة: 46].

وأمر الله النصارى بالحكم بالإنجيل، وتطبيق ما فيه، فإن لم يفعلوا ذلك كانوا كافرين. قال تعالى: (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) [المائدة: 47].

ومصطلح (أهل الكتاب) في القرآن يطلقُ على اليهود والنصارى، لأنَّ اليهود عندهم كتاب الله (التوراة)، والنصارى عندهم كتاب الله (الإنجيل).

والكتابانِ الرَّبَّانيَّان: التوراة والإنجيل مبشَّران بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وبكتاب الله الخالد الخاتم الذي يأتي بعدهما، وهو القرآن.

وقد أمر الله أهل الكتاب بإقامة التوراة والإنجيل، وهذا معناه أن يُؤمنوا بأنَّ القرآن كلام الله، وأنَّ محمداً هو رسول الله الخاتم صلى الله عليه وسلم، ويدخلوا في الإسلام، فإن لم يصلوا إلى النتيجة لم يكونوا مؤمنين بالتوراة والإنجيل ولا مقيمين لهما. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدنّ كثيرأً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) [المائدة: 68].

هذه الأوصاف الإيجابية للإنجيل إنما هي للإنجيل الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، وليس للإنجيل الذي بين أيدي النصارى الآن.

إنَّهما إنجيلان مختلفان اختلافاً كثيراً:

الأول: الإنجيل العظيم المبارك: الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، والإيمانُ بأنّه كتابُ الله  من لوازم الإيمان عند كلَّ مسلم، ومن لم يؤمنْ به كان كافراً بالله، ومخلَّداً في جهنّم، وإنْ صامَ وصلَّى وزعم أنَّه مسلم.

الثاني: الإنجيل: المحرَّف المبدَّل: وهو الذي حرَّفه الرهبان، ومزجوا كلام الله بكلامهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، وبذلك أزالوا هُداه، وطمسوا نوره وبذلك ضلُّوا وقد نسخه الله، كما نسخ التوراة قبله وأنزل القرآن كتاب هدايةٍ وحياة، وتكفَّل بحفظه حتى قيام الساعة.

وأشار إلى تحريف الرُّهبان لإنجيل قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إنَّ كثيراً من الأحبار والرُّهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدُّون عن سبيل الله) [التوبة: 34].

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: السمين الحلبي.

- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: الفيروزآبادي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم