يوسف عليه السلام
 
 

يوسف: اسمُ علمٍ أعجمي،  ممنوعٌ من الصرف، للعملية والعجمة.

وذهب بعضهم إلى أنه عربيٌّ مشتق. ذكر ذلك الفيروزآبادي، قال:«يوسف: تثلَّث سينه- أي تقرأ بالضَّمة والفتحة والكسرة- وهو اسمٌ أعجمي غير منصرفٍ للعلمية والعجمية.

وقيل: هو مشتقٌّ من الأسف، فيوسف- بكسر السين- على وزن (يُفْعِلُ) من آسف، يوسف: إذا أحزن وأهمَّ وأغضب، لأنَّه آسف أباه بفراقه.. ويوسف- بفتح السين- لأنَّ إخوته حزَّنوه بفراق أبيه.. وقيل أصله (يأسف)- بفتح الياء والسين- على وزن (يَفْعَلُ) من الأسف، لأنه أسف في الغربة والملك!».

والقول باشتقاق (يوسف) مردود ولا داعي للاختلاف في مادة اشتقاقه وحركات حروفها بين الضمة والفتحة والكسرة كما ذكر ذلك الفيروزآبادي.

و(يوسف) كلمةٌ قرآنية، والنطق بها توقيفي، وليس صحيحاً أنَّ السين فيه يمكن أن تقرأ بالضم أو الفتح أو الكسر، فقد أجمع القرّاءُ العشرةُ على قراءتها بالضمَّ (يوسف). ولا تجوز قراءتها بالفتح أو الكسر، ولا إبدال الواو همزة (يؤسف) كما زعم بعضهم!.

ذكر(يوسف) سباً وعشرين مرةً في القرآن، خمسٌ وعشرون مرةً منها في السورة التي تحمل اسمه (سورة يوسف).

وذكر في قوله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزى المحسنين) [الأنعام:84].

تنصُّ الآية على أنَّ (يوسف) من ذرية (إبراهيم)، وتذكره ضمن مجموعةٍ من الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام.

وذكر في سورة غافر، في سياق تذكير مؤمن آل فرعون، في معرض دفاعه عن موسى عليه السلام حيث أشار لهم إلى نبوة يوسف عيه السلام. قال تعالى:(ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً) [غافر:34].

وسورة يوسف انفردت بعرض قصة عليه السلام من بدايتها إلى نهايتها، مع تقديمٍ لها وتعقيبٍ عليها.

وعرفنا من آيات سور يوسف أنَّ ليوسف عليه السلام إخوةً من أبيه، وذكرت آياتها للأب يعقوب عليه السلام اثني عشر ولداً، وهم أصول قبائل بني إسرائيل الذين سموا (الأسباط)، فمن هؤلاء الأصول الاثني عشر نشأت أسباط وقبائل وأفخاذ بني إسرائيل.

رأى يوسف وهو صغيرٌ الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدين له وأخبر أباه يعقوب بهده الرؤيا، فاستبشر بها خبراً وتوقَّع لابنه مستقبلاً عظيماً، وخشي حسد إخوته له، فطلب منه أنْ لا يقصَّ رؤياه على إخوته، لئلا يكيدوا له كيداً فلم بخبرهم بها.

ومع ذلك لم يسلم من كيد إخوته، حيث اتّهموا أباهم النبي بالانحياز إلى يوسف وأخيه، وإيثارهما على باقي أبنائه فتآمروا عليه وزيَّن لهم شيطانهم التخلص منه! وطرحت فكرة قتله، فاستفظعوها، واتفقوا على إلقائه (غيابة الجبَّ)، وطرحه في بئر على طريق القوافل، وراودوا أباهم، ونفَّذوا ما اتفقوا عليه وألقوه في البئر، وكذبوا على أبيهم، واتَّهموا الذئب بأكله..

وأخذته قافلةٌ تجاريةٌ من البئر، وباعوه في مصر عبداً وقدَّر الله أنْ يكون الذي اشتراه (العزيز)، وهو الرجل الثاني في النظام المصريَّ بعد الملك، وطلب العزيز من امرأته أنْ تَكرمَ مثواه، لأنَّه تفرَّسَ فيه الخير، ولكنَّ المرأة أحبته وعشقته، وراودته عن نفسه عدة مرات، ولكنًّه قابل ذلك بالعفّة واللجوء إلى الله والاستاذة به، وأمام إبائه واستعصامه، وسيطرة سعار الشهوة عليها، غلَّقت الأبواب ودعته إلى الفاحشة، وهمَّت به، ولكنّه استعصم بالله وهرب، ولما رأتْ زوجها بالباب اتّهمته بمراودته لها، وشهد شاهدٌ من أهلها ببراءته وإدانتها، واعترفت أمام نسوة المدينة بعشقها له، وهدَّدته السجن إنْ لم يتجاوب معها، فآثر السجن على الفاحشة والرذيلة، حيث سجن مظلوماً يضع سنين!..

ورأى الملك رؤيا عجيبة ولم يتمكَّن من تعبيرها وتأويلها إلا السجين يوسف، ولما استدعاه الملك، طلب إعادة محاكمته قبل خروجه، فاعترفت النسوة بمراودته، وشهدت امرأة العزيز بعفَّته، وخرج من السجن معزَّزاَ مكرَّماَ عفيفاً طاهراً. وطلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض، ليتولَّى إدارة أمور البلاد في سنوات المجاعة القادمة، ورتّب النفقات والطعام بحكمةٍ بالغة.

وجاء إخوة العشرة من البدو في جنوب فلسطين، ليأخذوا الطعام من مصر ولما دخلوا على يوسف (العزيز) عَرَفَهم، أمّا هم فلم يعرفوه، ولما جهَّزهم بجهازهم، طلب منهم إحضار أخٍ لهم من أبيهم معهم، ولما عادوا إلى أبيهم ما زالوا به حتى وافق على ذلك، بشرط أن يعطوه العهد على إحضاره معهم، إلا أنْ يعجزوا عن ذلك.

ولما دخلوا على يوسف خلا بأخيه الصغير فعرَّفه على نفسه، ثم رتَّبَ يوسف الأمور التي أدَّت إلى الاحتفاظ بأخيه بتهمة السرقة، وعاد الإخوة إلى أبيهم يعقوب، وأخبروه بمفاجآت وطلب منهم العودة، ولما التقوا بيوسف اللقاء الأخير، عرَّفهم على نفسه، وطلب منهم العودة إلى (البدو) والإتيان بأهلهم أجمعين.

وقَدِمَ الأهل جميعاً بقيادة النبيَّ (يعقوب)- إسرائيل- عليه السلام من فلسطين إلى مصر، والتقى النبيُّ الأب الابن، بعد غيبةٍ وفراقٍ استمرَّ عشرات السنين!.

ورفع يوسف العزيز عليه السلام أبويه على العرش، وخرَّ الأبوانِ والإخوةُ الأحد عشر ساجدين ليوسف عليه السلام، وكان سجودهم تأويلاً للرؤيا التي أراها الله ليوسف وهو صغير.

واستقرًَّت عائلة بني إسرائيل في مصر، آمنين مطمئنين، طيلة حُكم يوسف عيه السلام. وبعد ذلك توفي يعقوب، ثم توفي يوسف عليهما السلام، ودفنا في مصر.. وبعد ذلك اضطهد الفراعنة بني إسرائيل، إلى أنْ أنقذهم الله على يدِ موسى عيه السلام.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: السمين الحلبي.

- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: الفيروزآبادي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم