طالوت
 
 

طالوت: اسم علمٍ أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.

وذهب بعضهم إلى أنّه عربيّ، مشتقٌّ من الطول، وأنَّه على وزن (فَعَلوت)، وأنَّ الواو والتاء في للمبالغة، مثل طاغوت، وأنّه لقبٌ لملكٍ من الملوك بني إسرائيل، لُقِّبَ به لطوله، لأنَّه كان أطول إنسان في زمانه.

قال الفيروزآبادي في (بصائره): «طالوت: اسمٌ أعجميٌّ لُقِّبَ به، وكان اسمه في الأصل (سارَا) وقيل: طالوت، لطول قامته.. ومعنى (طالوت) في اللغة العربية: طويل. وكان ملك بني إسرائيل وكان صفيَّ (أشْمَويل) [هو صَمُوئيل المذكور في العهد القديم] وخصَّه الله تعالى بزيادة بسطةٍ في العلم والجسم».

وذكر السمينُ الحلبيُّ في الدرِّ المصونِ القولين في طالوت، ورجَّح أنَّه أعجميّ. قال: «طالوت: فيه قولانين:

أظهرهما: أنّه اسمٌ اعجميّ فلذلك لم ينصرف للعلتين، اعني: العلمية والعجمة الشخصية.

والثاني: أنَّه مشتقٌّ من الطول، ووزنه (فعلوت) كَرَهَبوت ورَحَموت، وأصله (طَوَلوتُ)، فقلبت الواو ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها!.

وكأنَّ الحامل لهذا القائل بهذا القول، ما رُويَ في القصة أنَّه كان أطول رجلٍ في زمانه، إلا أن هذا القول مردود بأنّه لو كان مشتقّا من الطول لكان ينبغي أن ينصرف، لأنّه ليس فيه إلاّ العلمية».ً

والراجحُ أنّه علمٍ أعجميّ ممنوعٌ من الصرف للعلمية والعجمة، وبما أنّه ليس عربياً مشتقّاً فلا نبحث له عن معنى في اللغة العربية.

وقد ورد(طالوت) مرتين في سورة البقرة، في قصة طالوت وداوت وجالوت.

قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة: 247]. و(طالوت) مفعولٌ به لفعل (بَعَثَ) منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: 249]. و(طالوت) في الآية فاعل لفعل (فَصَل).

كان بنو إسرائيل قد دخلوا الأرض المقدسة بقيادة خليفة موسى عليه السلام (يوشع9، واستقرَّت أوضاعهم فيها فترةً قصيرةً من الزمن، كانوا فيها مطبّقين لشرع الله مُطيعين لأنبيائهم، ولكنَّهم بعد ذلك طغوا وبغوا وتمرَّدوا وأذنبوا، فأذلَّهم الله، وسلَّ عليهم أعداءهم، الذين كانوا في مناطق أخرى من الأرض المقدسة، ووقعت معارك بين الفريقين، انتهت بهزيمة بني إسرائيل وقهرهم وإذلالهم!.

وبعد ذلك أرادوا أنْ يغيِّروا ما هم فيه من ذلّةٍ وهزيمة وكان عندهم نبيٌّ من أنبيائهم، فأظهروا له رغبتهم في الجهاد في سبيل الله، وأنَّ الذي ينقصهم هو الملك الذي يقودُهم في المعارك، وطلبوا منه أنْ يختار لهم ملكاً لهذه الغاية!.

فأخبرهم نبيُّهم أنَّ الله بعثَ لهم (طالوت) ملكاً، وكان صالوت من عامة الشعب وليس من بيت الملك وعائلة الملوك! فاعترضوا عليه وقالوا له: أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقُّ بالملك منه ولم يُؤتَ سعةً من المال!!.

فذكر لهم أنَّ الله هو الذي اختاره لهم واصطفاه عليهم، وأنّه زاده بسطةً في العلم والجسم، فهو أكثر منهم علماً وأقوى منهم جسماً.

وقال لهم نبيُّهم: الدليل على أنَّ الله رضيه لكم ملكاً، أنّه سيأمرُ الملائكة أنْ تحمل إليهم (التابوت) الذي أخذه أعداؤكم منكم! فلمّا أتتهم الملائكة بالتابوت وافقوا على تملُّكِ طالوت عليهم مُكرهين.

وأخذ طالوت جيشه لمقاتلة اعدائه بقيادة جالوت، ومرَّ في طريقه بنهر، فنهى جنوده عن الشرب منه حتى الارتواء، وأذن لكلِّ واحدٍ أنْ يغترف منه غرفةً بيده فخالفوا نهيهُ وشربوا منه إلاّ قليلاً منهم.. وذهب طالوت بالقلائل الملتزمين من الجيش لقتال جالوت وجنوده، ولما رأى بنو إسرائيل جيش جالوت صاحوا قائلين: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وجبنوا عن قتال.

ولم يبق مع طالوت إلا ثلاثمئة وبضعة عشرَ رجلاً مجاهداً! فحاربوا الكفار مستعينين بالله، وقالوا: ربَّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدمنا وانصرنا على القوم الكافرين.

وبرز من وسط جيش طالوت جنديٌّ شجاعٌ اسمه(داود) وهجم على جالوت فقتله وبقتله انهزم الكفار بإذن الله، ونصر الله الفئة المؤمنة المجاهدة بقيادة طالوت ومكَّن لبني إسرائيل في الأرض إلى حين!.

وسكت القرآن عن ما جرى لطالوت بعد ذلك، واكتفى بالإشارة إلى أنَّ الله آتى داود عليه السلام الملك والحكمة وعلَّمه مما يشاء.

وقد تكلمت أسفار العهد القديم كثيراص عن طالوت الذي أسمتْه (شاول)، وعن بدء أمره، واختار النبيِّ (صموئيل) له، وعن ما جرى بينه وبين صموئيل، وتفاصيل الخروج لحرب (جالوت)- الذي أسمته (جولْيات)- وعن بدء أمر داود، وتفاصيل اشتراكه في المعركة الفاصلة، وفصَّلتْ كثيراً في كيفيّةِ قتله لجالوت ثم تكلَّمت كثيراً عن الخلاف الذي جرى بين طالوت وداود وملاحقة طالوت لداود وحقده عليه، وحرصه على قتله، وانتهى الصراع بينهما إلى مصرع طالوت وحكم داود.

وهذا كلامٌ لا يعنينا ولا نفسِّرُ به آيات القرآن، ونتوقَّفُ في مبهمات القرآن عند ما ورد في آيات القرآن، وما صحَّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك نسكتُ على ما جرى لطالوت بعد انتصاره على جيش جالوت. والله أعلم.

* * *

* المصدر:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم