فرعون
 
 

فرعونُ: اسم علمٍ أعجمي ممنوعٌ من الصرف للعلمية والعجمة.

واختلف فيه العلماءُ واللغويون فقال بعضهم: هو أعجمي، وقال آخرون: هو عربيّ مشتقّ من الفَرْع).

وقد ذكرَ السمينُ الحلبيُّ في الدُّرِّ المصونِ خلاصة الخلاف فيه، فقال: «فرعون في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [البقرة: 49] خفضٌ بالإضافة ولكنّه لا ينصرف للعجمة والتعريف.

واختلف فيه: هل هو علمُ شخصٍ، أو علم جنس؟ فإنه يُقال لكلِّ من ملك القِبْط ومصر: فرعون. مثل كسرى لكلِّ مَنْ ملك الفرس، وقيصرَ لكلِّ مَنْ ملك الروم، والنجاشيّ لكلِّ مَنْ ملك الحبشة، وبطليموس لكلِّ مَنْ ملك اليونان.

قال الزمخشري: وفرعون علمٌ لمنْ ملكَ العمالقة في مصر، كقيصر للروم، ولعتُوِّ الفراعنةِ اشتقّوا منه: تَفَرْعَنَ فُلان، إذا عتا وتجبَّر.

وقال المسعودي: لا يُعْرَفُ لفرعونَ تفسيرٌ بالعربية. وظاهر كلامِ الجوهريِّ أنّه مشتقٌّ من معنى العُتُوّ...».

وقال ابن منظور في لسان العرب: «الفرعنة: الكِبْر والتَّجبُّر.. وفرعون الذي ذكره الله في كتابه من هذا، وإنما تُرك صرفه في قول بعضهم لأنه لا سَمِيَّ له، مثل إبليس، فيمن أخذه من أَبلس.

قال ابن سيدة: وعندي أن فرعون هذا العلمَ أعجمي، ولذلك لم يُصرف.

إذن: ذهب بعض اللغويين إلى أنّ فرعون مشتقٌّ من (الفرع)، وهو الذي يذهب إلى أعلى، ومنه فرع الشجرة وغصنها، وسمي فرعون بذلك، لأنه تكبَّر وتجبَّر وتمرَّد واستعلى. والواو والنون فيه للمبالغة.

ولكن هذا الكلام مردود، لأن الكلمة أعجمية وليست عربية، وهذا هو الراجح.

و(فرعون) ليس عَلَمَ شخص، لأنه لا يوجد شخص يسمى به، وإنما هو عَلَمُ جنس، لأنه لَقَبٌ يطلق على كل مَنْ ملكَ مصر، في الفترة التي كان فيها بنو إسرائيل في مصر، مهما كان اسم ذلك الملك.

وقد يُشتق من (فرعون) فعْلٌ، ويوصف به مَنْ تشبَّه بفرعون في تجبُّره وعتوِّه.

قال الراغب في مفرداته: «فرعون: اسمٌ أعجمي، وقد اعتُبر عرامَتُه، فقيل: تَفَرْعَنَ فلان، إذا تعاطى فعلَ فرعون. كما يقال: أبلسَ وتبلَّس، ومنه قيل للطغاة: الفراعنة والأبالسة».

وبعدما تكلم واضعو (المعجم الوسيط) على مادة (فَرَعَ) التي بمعنى طال وعَلا، اشتقّوا من الفرعنة فِعْلاً رباعياً هو (فَرْعَنَ)، ثم ذكروا بعض اشتقاقاته فقالوا: «فَرْعَنَ: تجبَّرَ وتكَبَّر. و: تفرعنَ النبات: طالَ وقويَ واشتدَ. و: تفرعنَ فلان: تجبَّرَ وطغى، وتخلَّقَ بأخلاق الفراعنة.

و: فرعونُ: لقب مَلِك مصرَ في التاريخ القديم. وأصله بالمصرية (بَرْعو) بغير نون. ومعناه: البيت العظيم».

وإذا اعتمدنا كلام واضعي المعجم الوسيط –وهم لغويّون مصريّون مطَّلعون- تكون كلمة (فرعون) تعريب للكلمة المصرية (يَرْعو)، أُضيفت لها النون، لأنَّ العرب يتصرَّفون في الكلمات الأعجمية التي يُعرّبونها.

ويكون معنى (فرعون) في اللغة القبطية القديمة: البيت العظيم.

والخلاصة: أنَّ كلمة (فرعون) علمُ جنسٍ يُطلق على مَنْ مَلَكَ مصرَ في القديم، وأنّه كلمةٌ أعجمية، وأنّه ممنوعٌ من الصرف للعلمية والعُجمة. والله أعلم.

وقد وردت كلمة (فرعون) أربعاً وسبعين مرة في القرآن: في سورة البقرة مرتين، وفي سورة آل عمران مرة، وفي سورة الأعراف تسع مرات، وفي سورة الأنفال ثلاث مرات، وفي سورة يونس ستَّ مرات، وفي سورة هود ثلاث مرات، وفي سورة إبراهيم مرة، وفي سورة الإسراء مرتين، وفي سورة طه خمس مرات، وفي سورة المؤمنون مرة، وفي سورة الشعراء ستَّ مرات، وفي سورة النمل مرةً واحدة، وفي سورة القصص ثماني مرات، وفي سورة العنكبوت مرة، وفي سورة ص مرة، وفي سورة غافر تسع مرات، وفي سورة الزخرف مرتين، وفي سورة الدخان مرتين، وفي سورة التحريم مرتين، وفي سورة المزمل مرتين، ومرة واحدة في سور: ق، والذاريات، والقمر، والحاقة، والنازعات، والبروج، والفجر.

ومجموع السور التي ذُكر فرعون فيها سبعٌ وعشرون سورة، ما بين مكية ومدنية.

وذِكْرُ فرعونَ في القرآن مقرونٌ بتعذيب بني إسرائيل في مصر، وبقصة موسى عليه السلام.

وقد استقرَّ بنو إسرائيل في مصر، لما كان يوسفُ عليه السلام (عزيز) مصر وحاكمَها الفعلي، وبعد وفاة يوسف عليه السلام بفترةٍ اضطَهَدَ المصريون بني إسرائيل، وكان ملكُهم يلقَّبُ بلقب (فرعون)، وكانوا يسومونهم سوء العذاب، يُذبِّحون أبناءَهم ويستحيون نساءهم، بهدف إذلالهم واستعبادهم.

ووُلد موسى عليه السلام في هذا الجو، ومكرَ اللهُ بفرعون، وجعله يربّي موسى عليه السلام في قصره، مع أنه كان يريد قتْلَه، ولما شبَّ موسى في قصر فرعون قَتَلَ أَحَدَ الأقباط، وفَرَّ إلى مدْين، ولما عاد إلى مصر، كلَّمه الله عند جبل الطور، وجعلَه نبياً رسولاً، وأمره أن يذهب إلى فرعون، وآتاه الآيات البينات، وجعل معه أخاه هارون عليه السلام نبياً ووزيراً.

وقابلَ موسى عليه السلام فرعون، ودعاه إلى الله، وطلب منه أن يرفع العذاب عن بني إسرائيل، وأن يسمح لهم بالخروج معه من مصر، وأراه الآيات الدالة على أنَّ اللهَ أرسله، ولكنَّ فرعون كذَّبه وكفَرَ به، وجمع له السحرة من مختلف مدائن مصر ليهزموه، ووقع التحدي بين موسى عليه السلام وبين السَّحرة، ولما أَلقَوا حبالَهم وعصيَّهم ألقى موسى عليه السلام عصاه، فلقفَتْ ما يأفكون، وآمنَ السحرةُ بموسى عليه السلام، وهدّدهم فرعوُن بالبطش والتعذيب.

واستمرَّ فرعون في طغيانه وجبروته، وادّعى الربوبية، وقال لقومه: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: 24]، كما ادّعى الألوهية، وقال لقومه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: 38]، وافتخر على قومه بقوله: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51]، ودعاهم إلى الالتزام برأيه، وقال لهم: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر: 29].

ولما أصرَّ فرعون على كفره وطغيانه، واستمرَّ في تعذيب المؤمنين من بني إسرائيل، أَمَرَ اللهُ موسى عليه السلام أن يخرجَ ببني إسرائيل من مصر ليلاً، ففعلَ، وتوجَّهوا نحو المشرق. ولحقَ فرعونُ وجنودُه بهم، ولما تراءى جمعُ المؤمنين وجمعُ الكافرين خافَ بنو إسرائيل، وقالوا لموسى: إنّا لمُدْركون.

وأمر الله موسى عليه السلام أنْ يضربَ البحرَ بعصاه، وفتحَ اللهُ لهم طريقاً في البحر يبساً، ودخلَه بنو إسرائيل، وخرجوا سالمين بفضل الله إلى الضفة الشرقية للبحر، ورأى فرعونُ الطريقَ اليبسَ وسط البحر، فأَمَرَ جنودَه أنْ يدخلوه، ليلحقوا ببني إسرائيل، ودخلوا جميعاً فيه، عند ذلك أطبقَ اللهُ عليهم البحر، فغرق جنودُه جميعاً.

ولما رأى فرعونُ نفسَه غريقاً تحت الماء، مجرَّداً من القوة والسلطان، عاجزاً ضعيفاً، يصارعُ الموت، أعلنَ إيمانَه قائلاً: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنتْ به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين.

فسخرَ المَلَكُ الذي أرسلُه اللهُ ليهلكَه من إيمانه المتأخِّر، وقال له: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ91/فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: 91-92]. وهكذا كانت نهاية فرعون المتجبِّر الطاغية، غريقاً تحت الماء، وجعل اللهُ موتَه آية وعبرة، لمن خلْفَه من الناس حتى قيام الساعة، ودرساً للمسؤولين، كي لا يَطْغوا ويُفسدوا ويتجبّروا، ولكنَّ أكثرَ الناس غافلون عن آيات الله.

إنَّ فرعون نموذج لكل حاكم متجبّر، لا يخضع لله، ويتكبَّرُ على قومه ويفسدُهم، ويستبدُّ ويظلم، ويُضلُّ قومَه باستعبادهم وإذلالهم، وسوقهم إلى الانحراف والفساد، ثم الهلاك والدمار، وفي الآخرة قيادتهم إلى النار، كما قال اللهُ عن فرعون وأمثاله: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ98/وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: 98-99].

***

* المصدر:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم