نوح عليه السلام
 
 

نوحٌ عليه السلام ثاني الأنبياء المذكورين في القرآن، وهو أوَّلُ رسولٍ أرسله الله. وسُميتْ باسمه السورة الحادية والسبعون حسب ترتيب المصحف.

وهو اسم علمٍ أعجمي، لكنّه مصروفٌ لخفّته، لأنَّه اسمٌ ثلاثيٌّ ساكنُ الوسط، وإذا كان الاسم العجمي ثلاثياً ساكنَ الوسط لم يُمنعْ من الصرف.

وذهب بعضهم إلى أنّه اسمٌ عربيٌّ مشتقٌّ من النَّوح.

قال الفيروزآبادي: «نوحٌ اسمٌ أعجمي، والمشهور صرْفُه لسكون وسطه، وقيل: يجوز صرفُهُ وترْكُ صرْفِه...

وقيل: هو عربي، واشتقاقه من النَّوْح. قيل له: نوح، لأنّه أقبلَ على نفسه باللوم وناح عليها..».

وقال عنه ابنُ منظور في (لسان العرب): «نوح: اسم نبيّ معروف، ينصرف مع العُجمة والتعريف، وكذلك كلُّ اسمٍ على ثلاثة أحرف أوسطه ساكن، مثل لوط، لأنَّ خفَّتَه عادلتْ أحد الثقلين...».

وذكر السمينُ الحلبيُّ القولين في اشتقاقه. قال: «نوحٌ اسمٌ للنبيِّ المعروف، عليه الصلاة والسلام، يُقال: هو أبو البشرية الثاني، وآدمُ الثاني، لأنّه لما غرق أهل الأرض بالطوفان، حدث من نسله الناس...

قيل: واشتقاقُه من النَّوْح، لأنّه ناح على نفسه تقرُّباً إلى الله تعالى، والصحيح أنَّه غير مشتقّ لعُجمته، وإنما صُرِفَ لخفَّته، ولا يجوزُ منعه من الصرفِ خلافاً لبعضهم، بل يتحتَّمُ صرْفُه، ومثله في ذلك لوط...».

وقد ذُكِرَ نوحٌ ثلاثاً وأربعين مرة في القرآن: مرةً في سورة آل عمران، ومرةً في سورة النساء، ومرةً في سورة الأنعام، ومرتين في سورة الأعراف، ومرةً في سورة التوبة، ومرةً في سورة يونس، وثماني مرات في سورة هود، ومرةً في سورة إبراهيم، ومرتين في سورة الإسراء، ومرةً في سورة مريم، ومرةً في سورة الأنبياء، ومرةً في سورة الحج، ومرةً في سورة المؤمنون، ومرةً في سورة الفرقان، وثلاث مراتٍ في سورة الشعراء، ومرةً في سورة العنكبوت، ومرةً في سورة الأحزاب، ومرتين في سورة الصافات، ومرةً في سورة ص، ومرتين في سورة غافر، ومرةً في سورة الشورى، وسورة ق، وسورة الذاريات، وسورة النجم وسورة القمر، وسورة الحديد، وسورة التحريم، وثلاث مراتٍ في سورة نوح.

أخبرنا اللهُ أنه اصطفى نوحاً عليه السلام، وبعثه رسولاً إلى قومه، وكانوا يُشركون بالله، فدعاهم إلى توحيد الله، ولكنَّهم رفضوا دعوته، وأصرُّوا على الشرك، وعبادة خمسة أصنام هي: وَدٌّ، وسُواعٌ، ويغوثُ، ويعوقُ، ونسرٌ.

واستخدم نوحٌ عليه السلام مختلف الأساليب في دعوة قومه، فدعاهم ليلاً ونهاراً، ودعاهم دعوةً فرديةً ودعوةً جماعية، وكان يُرغِّبُهم وينذرُهم، ويُجادلهم ويناقشهم، ويُبطلُ شبهاتِهم وإشاعاتِهم...

واستمرَّ يدعوهم على هذه الحالة ألف سنة ‘إلا خمسين عاماً، كما صرَّحَ بذلك القرآن، وهذه مدةٌ زمنيةٌ طويلة، لم يفقد فيها نوحٌ عليه السلام صبره واحتماله.

ولم يؤمنْ به إلا عددٌ قليلٌ من قومه، وهذا أمرٌ عجيب، فحصيلة حوالي ألف سنة في الدعوة عددٌ قليل، لم يذكره القرآن، وأبقاهُ على إبهامِه، فلا يعلمه إلا  الله، ومنْ أقرب الناس إليه من اختار الكفر، فامرأتُه كانتْ كافرة، وابنه كان كافراً أيضاً.

وأعلمَ اللهُ نوحاً عليه السلام أنّه لن يؤمنَ من قومه إلّا من قد آمن، فدعا عليهم أنْ يُهلكهم الله، وأنْ لا يُبقي منهم حيّاً لفسادهم وفجورهم. وأمره اللهُ أنْ يصنع سفينة، فنفَّذَ أمرَ الله، وكان قومه يمرّونَ به وهو يصنعُ السفينة فيسخرون منه.

ولما أراد اللهُ إهلاك القوم الكافرين أمرَ نوحاً عليه السلام أنْ ينتظرَ علامةَ الطوفان، فإذا رأى الماء يفورُ من وسط التّنّور المشتعل، فعليه أنْ يُركبَ في السفينة كلَّ منْ آمنوا به، سواءٌ من أهل بيته أو من الآخرين، كما أمره أن يضع فيها زوجين اثنين من كلِّ مخلوقٍ على الأرض.

وبدأ الطوفانُ، والتقى الماءُ النازل من السماء مع الماء الفوَّار من الأرض، وصار الطوفان أمواجاً كالجبال، وغرق كلُّ القوم الكافرين من قوم نوح.. وبعد انتهى الطوفان استقرَّتْ سفينة نوحٍ على جبل الجوديّ شمال العراق، وعاش نوحٌ مع أتباعه المؤمنين ما كتب اللهُ لهم، لحين حلول آجالِهم.

 

  • أهم المصادر والمراجع:

-          معجم الأدوات النحوية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

-          تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.

-          معجم لسان العرب: الإمام ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم