يونس
 
 

يونُس: اسم علم أعجمي، ممنوعٌ من الصرف، للعلميةِ والعُجمة.

وذهب بعضهم إلى أنّه عربيٌّ مشتق. قال الفيروزآبادي: «وفيه ثلاث لغات: ضمُّ نونه وفتحُه وكسره، وهو اسم علم أعجمي، ممتنع من الصرف. وقيل: مشتقّ، وزنه يُفْعِل. من: آنَس، يُؤْنِس، إيناساً، بمعنى أبصر.. وقيل: من الأُنْسِ ضدّ الوحشة، سُميَ به لأُنْسِه بطاعة الله، أو لأنّه أبصر رشده في العبادة».

ولسنا مع القائلين بعربيّيِه واشتقاقِه من الأُنْس، وإنما هو اسمٌ أعجمي، وهو ممنوعٌ من الصرف في القرآن، ولو كان مشتقّاً من الأُنْسِ لَصُرِفَ!.

والزعمُ بأنه يجوز ضمُّ نونه وفتحها وكسرها غير صحيح، لأنَّ قراءة كلمات القرآن والنطق بحروفها توقيفيٌّ من الله سبحانه، وقد أجمع القرّاء العشرة على ضمِّ نونه (يونُس)، ولذلك لا يجوز فتحها أو كسرها.

وبما أنّه اسم علم أعجمي فلا نبحث له عن معنى في العربية، ولا صلة بين اسم يونُسَ الأعجميِّ وبين مادة (الأُنْسِ) العربية المتصرّفة.

و(يونُس) نبيٌّ رسولٌ عليه الصلاة والسلام، من أنبياء بني إسرائيل المتأخرين. وأُطلقَ اسمه على إحدى سور القرآن(سورة يونُس). وورد اسمه صريحاً أربع مرات في القرآن، وورد بلقب (صاحب الحوت)، ولقب (ذا النون) فيكون مجموع مراتِ ذكرهِ ستَّ مرّات.

في سورة النساء ذُكر ضمن مجموعة من الأنبياء والرسل. قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء:163].

ونصتْ سورة الأنعام على أنَّ يونُس من ذرية إبراهيم عليهما السلام، حيث ذكرت مجموعة من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ84/6وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ85/6وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا﴾ [الأنعام: 84-86].

واسم أبيه (مَتّى)، وهو اسمٌ أعجميٌّ ممنوعٌ من الصرف أيضاً. روى البخاريُّ ومسلم عن عبد الله بن رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينبغي لعبدٍ أنْ يقول: أنا خيرٌ من يونُسَ بن متّى». ونَسَبَهُ إلى أَبيه.

وبعث الله يونُسَ عليه السلام رسولاً إلى أهل (نينوى)، وهي مدينةٌ أثريةٌ قديمة، تقع قريباً من الموصل شمال العراق. ويبدو أنَّ هذا كان بعد ما سبى الآشوريّون بني إسرائيل من فلسطين إلى العراق.

وقد روى ابنُ إسحاق في السيرة قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الغلام النصرانيِّ (عدَّاس) بعدما عاد من الطائف. فلما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عدَّاس قائلاً: من أهل أيِّ البلادِ أنتَ يا عدَّاس؟.

قال عدّاس: أنا نصراني، وأنا رجلٌ من أهل نينوى.

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: من بلدِ الرجلِ الصالحِ يونُسَ بنِ مَتّى؟.

فقال له عدَّاس: وما يُدريك ما يونسُ بنُ مَتّى؟.

قال صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي، كان نبيّاً، وأنا نبيّ.

فأكبَّ عدَّاس على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ رأسه ويديه ورجليه!.

أقام يونس عليه السلام مع قومه يدعوهم إلى اللهِ تعالى، لكنَّهم رفضوا دعوته، وأمره الله أنْ يُنذرهم وقوع العذاب بهم، ولما أنذرهم غضبوا منه وغضب منهم. وظنّ أنَّ مهمَّته الدعويةَ عندهم قد انتهت، وأنَّ اللهَ لن يُضيق عليه بإبقائه عندهم، وسيوجِّهه إلى قوم آخرين، ولذلك غادرهم على أنْ يوجِّهه اللهُ إلى قوم آخرين في الطريق!.

وأراد اللهُ ابتلاءَه بسبب ذلك، فلما ركب السفينة مرَّتْ بالموج وسط البحر، وكان لا بدَّ أنْ يُلقى أحدُ ركّابها منها، لينجو الآخرون، فخرج اسم يونسَ عليه السلام، وألقيَ من السفينة، ولكنَّ اللهَ يَسَّرَ له حوتاً ليكون منقذاً له، فالتقمه ليحميه من الأخطار الأُخرى، ولم يهْضِمَه لأنَّ اللهَ لم يجعله طعاماً له!!.

ولما وجد يونسَ عليه السلام نفسه في بطن الحوت، دعا الله وتضرَّعَ إليه، قال تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ87/21فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء:87- 88].

وأنقذه الله، وأمر الحوت أنْ يطرحه على شاطئ البحر، وكان يونس على الشاطئ سَقيماً، فهيَّأ اللهُ له وسيلةً أُخرى لحفظه، حيث أنبت عليه شجرةً من يقطين، ولما زال سقمه، واستعاد عافيته، أمره الله أن يعود إلى قومه، وسيجدهم مؤمنين!.

وعاد يونسُ عليه السلام إلى أهل نينوى، وكانوا يزيدون على مئة ألف، وجدهم مؤمنين بالله، سعداءَ بعودته! وسببُ رفع العذاب عنهم أنّه لما أنذرهم يونسُ عذاب الله، وغادرهم، تدارسوا الأمر فيما بينهم، وعرفوا أنّه لا يرفع العذاب إلا الإيمان، فاتفقوا على أنْ يؤمنوا، وقبل اللهُ إيمانهم، ورفع العذاب عنهم. قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس:98].

وأقام يونسُ عليه السلام بينهم يوجِّههم ويُربّيهم، إلى أنْ أتاهُ الموت. وكما كانتْ بدايةُ أمر يونسَ عليه السلام مبهمة في القرآن، كذلك كانتْ تفاصيلُ نهايته مبهمة في القرآن، فلا نخوض فيها.

ولُقِّبَ يونسُ عليه السلام بذي النّون، وجاء هذا في قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا﴾ [الأنبياء:87]، والنُّونُ هو الحوت، و(ذو النون) هو صاحب الحوت.

وجاء هذا اللقب صريحاً في قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم:48].

ولُقِّبَ بهذا اللقب لأنّه عاشَ في بطن الحوت فترة من الزمن، فكان صاحباً له.

 

  • أهم المصادر والمراجع:

-          معجم الأدوات النحوية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

-          تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.

-          معجم لسان العرب: الإمام ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم