فوائد في الجمع بين الآيات
 
 

اختلف العلماء في توبة القاتل العمد، هل تقبل أو لا؟:

- ذهب جمهور العلماء إلى أن للقاتل العمد توبة، كما أن لمرتكبي الكبائر عامة توبة، وقد دلَّت النصوص على ذلك فمنها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء:116].

ومنها ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يحدث أن أناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزلت: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ [الفرقان:68] الآية ونزلت: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر:53].

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو جابر أنه سمع مكحولاً يحدث قال: جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه عينيه، فقال: يا رسول الله رجل غدر وفجر، ولم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطفها بيمينه، لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم فهل له من توبة؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أأسلمت»، فقال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً عبده ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن الله غافر لك غدراتك وفجراتك، ومبدّل سيئاتك حسنات ما كنت كذلك»، فقال: يا رسول الله وغدراتي وفجراتي؟ فقال: «وغدراتك وفجراتك»، فولى الرجل يكبر ويهلل. وروى قريباً منه الطبراني عن أبي فروة.

وذهب جمهور المفسرين إلى أن لا تعارض بين آية الفرقان وهي مكية، وبين آية النساء في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:93]. فإن آية سورة النساء مطلقة، فتحمل على من لم يتب، أما آية سورة الفرقان فإنها مقيدة بالتوبة.

- روى الشيخان عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمّل به مئة، ثم سأل من أعلم أهل الأرض فدُلّ على رجل عالم فقال: إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا كذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حكماً- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضه ملائكة الرحمة»، وفي رواية «فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أ تقرّبي وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له».

 

* المصدر:

- المعجزة والرسول: د. مصطفى مسلم.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم