قارون
 
 

قارون: اسمُ علمٍ أجنبي، ممنوعٌ من الصرف للعملية والعُجمة.

وذهب بعضهم إلى أنّه عربيٌّ مشتقٌّ من القَرْن. قال الفيروزآبادي: «قارون: اسمٌ عبريٌّ غير منصرف.. وقيل: مشتقٌّ من (قَرْن)، على وزن (فاعول) للمبالغة، سُمّيَ به لأنّه قُرِنَ بالمُلْك، ثم قُرِنَ بالهُلك».

والقول باشتقاقه مردود، لأنّ قصة قارون مرتبطةٌ بقصة موسى عليه السلام وفرعون وبني إسرائيل، وهي قصةٌ لغير العرب، وأسماء رجالها المذكورة في القرآن أسماءٌ لغير العرب.

وأيَّ محمد الطاهر ابن عاشور أعجمية اسم قارون، لكنَّه حاول أن يوفِّقَ بين اسمه المذكور في التاريخ الإسرائيلي واسمه المذكور في القرآن.

قال: «قارونُ: اسمٌ معربٌ، أصله في العبرية (قُورح) بضمالقاف مشبعة وفتح الراء.. ووقع في تعريبه تغيير بعض حروفه للتخفيف، وأُجري وزنه على متعارف الأوزان العربية، مثل: طالوت وجالوت. فليست حروفه حروف اشتقاقٍ من مادة (قَرَن)».

ولا يعنينا معرفة اسمه الأصلي، إنما يعنينا الوقوف عند اسمه الذي ذكره القرآن، وترجيح أنَّ (قارون) اسمٌ أعجميٌّ ممنوعٌ من الصرف.

وورد (قارونُ) أربع مرات في القرآن: مرتان في سورة القصص، عند الحديث عن خلاصة قصته.

وقُرِنَ اسمه في سورة العنكبوت مع فرعون وهامان، قال تعالى: ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ [العنكبوت:39].

وذكرت سورة غافر أنَّ الله أرسل موسى عليه السلام رسولاً إلى الطغاة الثلاثة فرعون وهامان وقارون، فكذبوه. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ23/40إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر:23-24].

وقَرْنُ الطغاةِ الثلاثة في الذكر يدلُّ على أنهم كانوا يشاركون معاً في حكم مصر، فرعون ملك مصر، وهامان وقارون مساعدان له.

وعرضت سورة القصص مجمل قصة قارون في ثماني آيات [الآيات:76-83].

وأخبر القرآن أنَّ قارون كان من قوم موسى عليه السلام، فبغى عليهم، وهذا نصٌّ على أنّه كان إسرائيلياً، ولكنّه خرج على قومه بني إسرائيل، وبغى عليهم، وكفر بموسى عليه السلام، وانضم إلى فرعون، وساعده في كفره وحكمه للبلاد. ولا تعنينا معرفة نسبه الإسرائيلي، ولا قرابته لموسى، ولا الصلة النَّسبية التي تربطه بموسى عليه السلام، لأنَّ القرآن سكت عن ذلك.

وابتلى الله قارون بكثرة الموال والكنوز، فكان أغنى الناس، وأشار إلى كثرة كنوزه قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص:76].

مفاتيح الكنوز قارون تنوءُ بالعصبة أُولي القوة. أي: يعجزُ مجموعة الرجال الأقوياء عن حمل مفاتح كنوزه.

وذهب بعضهم إلى أنَّ المراد بالمفاتح هنا المفاتيح التي تُفتحُ بها خزائن الموال، وأنها كانت تُحمل على الدواب لعجز الرجال عن حملها، فإذا كانت هذه هي المفاتيح، فما بالك بالخزائن التي فيها الكنوز؟!.

والراجح أنَّ المراد بالمفاتح هو الخزائن نفسها، فقارون وضع كنوزه وأمواله في خزائن كبيرة ثقيلة، يعجز الرجال الأقوياء عن حملها.

ووظَّف قارون كنوزه في حرب الحقِّ ونصرة الباطل، حيث انضم بها إلى فرعون ونصره بها، وبغى على قومه الإسرائيليّين المؤمنين.

ونصحه العالمون من بني إسرائيل، وقالوا له: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ 76/28وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:76-77].

وأعمى المال قارون عن رؤية الحق، فرفض النصيحة، ولم يعترف بانَّ هذا المال فضلٌ من الله عليه، بل جحده وسجله لنفسه واعتبره ثمرة جهده وعلمه وتخطيطه وتجارته، وقال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ [القصص:78].

وفتن قارون ضعاف الإيمان من قومه الإسرائيلين، وخرج عليهم في زينته، التي لا يعلم تفاصيلها إلّا الله، فلما رأوه تمنَّوا أن يكونوا مثله، وقالوا بحسرة وأسى: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص:79].

ولكنَّ العالمين من الإسرائيليين، لم يُفتنوا بقارون وكنوزه وزينته، وبقوا ثابتين على الحق، وردّوا على المفتونين بزينة قارون قائلين: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص:80].

وأوقع الله بقارون بأسه وعذابه، وهو في أوج قوّته، وقمة فتنته، وكامل زينته، فأمر الأرض أن تنشق وتبتلعه، وتبتلع داره وزينته وكنوزه، ورأى المفتونون به بالأمس والذين تمنّوا أن يكونوا مثله قارون وكنوزه تُخسف به الأرض ويغيب داخلها، فحمدوا الله لأنّهم لم يكونوا أغنياء مثله، ولو كانوا مثله لهلكوا معه، وقالوا: ﴿وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [القصص:82].

ولم يفصل القرآن مقدار كنوز قارون، ولا كيفية جمعه لها، ولم يذكر تفاصيل وزينته التي خرج بها إلى قومه، وكيفية ذلك الخروج، ولم يُبين كيف خسف الله به وبكنوزه، ولا زمان ومكان وكيفية ذلك، ولا أسبابه وبواعثه.. علماً أنَّ الإسرائيليات فصَّلت كثيراً في هذه المسائل والمباحث، وأورت رواياتِ وأخباراً وأساطير كثيرة، وأعجب بها بعض السابقين من المسلمين، وأوردوها في كتبهم، ونحن نسكتُ عن ما سكتَ عنه القرآن، ولا نخوض في تبيين مبهمات القرآن.

المهمُّ هو الاعتبار من الخاتمة السوداء لقارون، حيث لم تنفعه أمواله وكنوزه، ولا لجوءه إلى فرعون ونصره له، والتخلي عن المؤمنين والانحياز للكافرين، كلُّ هؤلاء لم يدفعوا عن قارون عذاب الله، كما قال تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ﴾ [القصص:81].

ويبدو أنَّ الخسف بقارون وكنوزه كان في مصر، وقبل أن يخرج موسى عليه السلام مع بني إسرائيل منها، لأنّه لم يخرج معه إلّا المؤمنون من بني إسرائيل، وقارون لم يكنْ مؤمناً، ولهذا لم يخرج مع موسى عليه السلام، وهذا معناه أنَّ الله خسف به وأهلكه، على مرأى من الإسرائيليين والمصريّين، في عاصمة مصر ومقرِّ فرعون وهامان وقارون!!.

* * *

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم