عيسى عليه السلام
 
 

عيسى: اسمُ علمٍ أعجمي، ممنوع من الصرف للعملية والعجمة، ولأنّه اسمٌ مقصورٌ بالألف، لا تظهر عليه الضمة والفتحة، فتقدَّران على ألفه المقصورة تقديراً.

وذهب بعضهم إلى أنَّ (عيسى) كلمةٌ عربية، مشتقةٌ من (عَيْس).

وذكر القولين فيه الفيروزآباديفي (بصائره)، فقال: «اسمٌ أعجميٌ غير منصرف، للعملية والعجمة، وقيل: اشتقاقه من (العَيْس) وهو البياض، والأَعْيَسُ: الجملُ الأبيضُ، وجمعُه (عِيسٌ).

قيل له: عيسى؛ لبياض لونه، وقيل: من (العَوْس) وهو السياسة، وأصله (عِوْسا) قُلبت الواو ياءً لكسرةِ ما قبلها، وسُمّي(عيسى) لأنّ ساسَ نفسه بالطاعة، وساسَ قلبه بالمحبة، وساسَ أمته بالدعوة إلى الله».

والقولُ بأنّه مشتقٌّ من (العَيْس) أو (العَوْس) مردود، لأنّه أعجميٌّ وليس عربيّاً، وبُعِثَ رسولاً إلى بني إسرائيل، ولا نرى صلةً بين اسم (عيسى) الأعجميِّ، وبينَ مادة (عَيْس) العربية، التي لها عدة اشتقاقات وتصريفات.

وقد ذُكِرَ (عيسى) عليه السلام خمساً وعشرين مرّةً في القرآن: ثلاث مراتٍ في سورة البقرة، وخمس مرات في سورة آل عمران، وثلاث مرات في سورة النساء، وستَّ مرات في سورة المائدة، ومرّتين في سورة الصف، ومرةً واحدةً في كلٍّ من: سورة الأنعام، ومريم، والأحزاب، والشورى، والزخرف،والحديد.

واللافتُ للنظر أنَّ ذكر عيسى عليه السلام في السور المدنية أكثر منه في السور المكية، فقد ذُكر أربع مرات فقط في أربع سور مكية، هي سور: الأنعام، ومريم، والشورى، والزخرف، بينما ذُكر إحدى وعشرين مرةً في سبع سورٍ مدنية، هي سور: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأحزاب، والحديد، والصف.

ويُذكَرُ أحياناً بصفة (المسيح)، حيث وردت هذه الصفة إحدى عشرة مرةً في القرآن، كلُّها في سور مدنية، هي سور: آل عمران، والنساء، والمائدة، والتوبة.

وجُمِعَ بين (المسيح) و(عيسى) في بعض الآيات، كما في قوله تعالى: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران:45].

وقد نشأت مريم رضي الله عنها نشأةً إيمانيةً في كفالة زكريا، وكانت تخلو إلى نفسها وتعتزل قومها، مقبلةً على عبادة الله وذكره ومناجاته، وتأنسُ بذلك، ويطمئنُّ قلبُها.

ولما أراد اللهُ أنْ يحقق إرادته في خلق إنسانٍ من أُمٍّ بدون أب، اختار مريم لذلك بحكمته، وأرسل لها جبريل عليه السلام، وهي في خلوتها بعيدةً عن قومها، متحوِّلاً إلى صورة بشر، وبشَّرها أنّه رسولٌ من الله إليها ليهب لها غلاماً زكيّاً، ولما استغربت من هذه البشارة، إذ كيف ستحملُ وتلدُ وهي عذراء عفيفة؟ أجابها بأنَّ هذه هي إرادةُ الله، ونفخَ فيها من روح الله.

وحملت بعيسى عليه السلام بأمر الله، وتمَّ تخليقه ونموُّه في رحمها في ساعات، وأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، وأجرى الله لها آيات بينات، وأنطق الله ابنها عيسى بعد ولادته مباشرة، فأرشدها إلى طريقة التصرُّف المناسبة عند مواجهتها لقومها، ولما وصلت إليهم وأشارت إليه، تكلَّم بكلام واضح، وعرَّفَ على نفسه ومستقبله وسط دهشة القوم.

وبعث الله عيسى ابن مريم عليه السلام رسولاً إلى بني إسرائيل، وهو آخرُ أنبيائهم، وانزل الله عليه (الإنجيل)، وبلغ بني إسرائيل دعوته، وأراهم الآيات الدالة على نبوَّته، والتي أجراها الله على يديه، مثلُ: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، وإيجاد الطير الحيِّ من الطين الجامد، كلُّ ذلك بإذن الله ومشيئته.

ولكنَّ بني إسرائيل كذَّبوه كفروا به، وأنكروا نبوَّته، واتّهموهُ بالباطل، ولم يستجبْ له إلّا عددٌ قليلٌ منهم، هم (الحواريون) الذين نصروه وأسلموا ودخلوا في دينه، وأثنى الله عليهم في القرآن، وذكر المائدة التي أنزلها عليهم وأكرمهم بها، بعدما دعا عيسى ربَّه وسأله إنزالها.

وصعَّد اليهود عداوتهم لعيسى عليه وسلم، ووشُوا به إلى الرومان الذين كانوا يحكمون الأرض المقدّسة في عصره، ولما جاء الجنود الرومان واليهود لإلقاء القبض عليه وقتله، ألقى عليه النُّعاس ورفعه من بين حواريّيه إلى السماء، وألقى شبهه على أحد حواريّيه، فصار كانَّه عيسى، وأخذه الرومان واليهود، وصلبوه وقتلوه، على أنّه عيسى ابن مريم، ولكنّه شُبِّهَ لهم كما أخبر الله في القرآن، فقتلوا عيسى الشَّبَهَ المتحوِّل، ولم يقتلوا عيسى النبيَّ عليه الصلاة والسلام، لأنَّ الله حماه ورفعه إلى السماء.

وانتشرت النصرانية في العالم بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السلام، وأُعجب الناس في مختلف البلدان بمواقف أتباعه، من الحواريين وغيرهم، فدخلوا في دين عيسى عليه السلام، وهذا على غير طبيعة الديانة النصرانية، لأنّها في الأصل ديانةٌ إسرائيليةٌ خاصة، وليست عالميةً عامة، وكلُّ رسول كان يبعث إلى قومه خاصة، إلّا محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي بُعِثَ إلى الناس كافة!.

وصارت النصرانية ديانةً رسميةً حكومية، عندما اعتنقها الإمبراطور الرومانيُّ قسطنطين، وبذلك تنصَّرت الشعوب الخاضعة للسيادة الرومانية.

واختلفتْ فرقُ النصارى وطوائفهم في النظر إلى عيسى عليه السلام، لِما رافق حياته من معجزاتٍ وخوارق، وعمل اليهود على تحريف النصرانية، عندما أوعزوا إلى بولس وغيره باعتناق النصرانية، لتخريبها من الداخل.. فقالتْ بعضُ فرقِ النصارى بأنَّ عيسى عليه السلام هو عبد الله ورسوله، وهؤلاء هم الذين كانوا على حقّ. وقالت بعضُ فرقهم: عيسى إله، وقال غيرهم: عيسى ابنُ الله، وقال غيرهم بالتثليث والآلهة الثلاثة، وقال غيرهم باتحاد اللاهوت بالناسوت..

وكذَّب القرآن كلَّ النصارى الذين بالغوا في النظر إلى عيسى عليه السلام، ولم يؤمنوا أنّه مجرَّدُ عبدٍ لله، ورسول كريم أرسله إلى بني إسرائيل. كذَّب القرآن الذين قالوا بأنّه إله، أو أنّه ابنٌ لله، أو بالآلهة الثلاثة، أو غير ذلك.

وأخبرنا الله في القرآن، وفيما أوحى به إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أنّه سينزِّلُ عليه السلام في آخر الزمان، وهذا معناه أنَّ عيسى عليه السلام حيٌّ الآن في السماء بروحه وجسمه، حياةً خاصَّةً بأمر الله، وعندما ينزل سيكون ملتزماً برسالة الإسلام، وسيحارب الكفار جميعاً، ومنهم النصارى الذين ألَّهوه، وسيكسرُ الصليب، ويقتلُ الخنزير، وسيقتل الدجّال، ويعيش مع المسلمين فترة من الزمان، ثم يموت موتاً طبيعياً، فيصلّي عليه المسلمون ويدفنونه.

* * *

 

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم