بابل
 
 

بابل: اسمُ علمٍ أعجمي، ممنوع من الصرف للعملية والعُجمة.

وقد ورد هذا الاسم مرةً واحدةً في القرآن. وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ [البقرة:102].

(بابلَ) في الآية مجرورٌ بالباء، وعلامة جرِّهِ الفتحة بدل الكسرة، لأنَّه ممنوع من الصرف.

تتحدث الآية عن السحر والسحرة في مدينة (بابل)، وعن نزول الملكين هاروت وماروت إلى الناس في بابل. قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:102].

تُخبر الآية أنَّ اليهود تركوا الحق، واتبعوا الباطل والكذب، الذي كانت تتلوه الشياطين وتخبر به، عن ملك سليمان عليه السلام، حيث كانت الشياطين تزعم أنَّ سليمان عليه السلام كان ساحراً، وكان يحكم الناس بالسحر، وهم كاذبون في هذا التقوُّل والزعم، فسليمان عليه السلام لم يكفر ولم يكن ساحراً، والذين كفروا هم الشياطين الذين كانوا يُعلِّمون الناس السحر.

واتبعَ اليهودُ السحر الذي أُنزل على الملكين هاروت وماروت، الذين أَنزلهما اللهُ إلى أهل بابل، لتحذيرهم من السحر، بكشفه وإزالة الغموض عنه، فكان الملكان هاروت وماروت يُعلِّمن الناس السحر في بابل، ويوصيانهم بعد ممارسته وتطبيقه، ويقولان لهم: السحرُ كفر، فلا تكفروا بممارسةِ السحر، ونحن نُعلّمكم السحرَ لإزالة غموضه وكشفِ سرِّه، لئلا تخافوا من السَّحَرة.

ولما عاد الملكان هاروت وماروت إلى السماء خالف الناس في بابل وصيتهما، وصاروا يُمارسون السحر، ويُفرّقون به بين المرء وزوجه، ويوقعون الضرر في الناس، علماً أنَّ الضرر لا يُصيبُ أحداً إلّا بإذن الله، وما السحرُ إلّا سببٌ فقط!.

وكلامُنا هنا عن (بابل)، وسنتكلَّمُ عن الملكين هاروت وماروت فيما بعد إن شاء الله.

جَرَتْ أحداثُ قصة الملكين هاروت وماروت في مدينة بابل، كما صرَّحت الآية.

و(بابل) مدينةٌ في العراق، على شاطئ نهر الفرات، وهي من أقدم مدن العالم في التاريخ.

ومما قاله عنها ياقوت في (معجم البلدان): «بابل: اسم ناحية، منها الكوفةُ والحلَّة، يُنسَبُ إليها السحرُ والخمرُ. قال الأخفش: لا ينصرف لتأنيثه، وذلك أنَّ اسم كلِّ شيءٍ مؤنثٍ إذا كان علماً، وكان على أكثر من ثلاثة أحرف، فإنه لا ينصرف.

والكلدانيون هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأول. ويقال: إنَّ أوَّلَ من سكنها هو نوحٌ عليه السلام...».

وكانت بابل عاصمة الآشوريين، وكان ملكهم (بُخْتُنَصَّر)، كما كانت عاصمة البابليين، ومن أشهر ملوكهم (حمورابي). ودمَّرَ بابل الإسكندرُ المقدوني في القرن الثالث.

ولما أفسد اليهود في الأرض المقدسة بعد سليمان عليه السلام، سلَّط اللهُ عليهم بختنصر. فدمَّرَ مملكتهم، وساقهم أسرى من بيت المقدس إلى بابل، حيث أقاموا فيها إلى أن قضى الفرس على الآشوريين، ثم أعادوا اليهود إلى بيت المقدس.

وجرت أحداث قصة هاروت وماروت في بابل، أثناء السبي اليهوديِّ إلى بابل، لأنَّ اليهود مشهورون بالسحر، وكانوا يُخيفون أهل بابل بسحرهم، وينشرون عليهم أكاذيبهم بشأن سليمان عليه السلام والسحر، فأنزل الله هاروت وماروت إلى أهل بابل، ليكشفا سرَّ السحر، ويُبيّنا للناس أكاذيب اليهود.

إنَّ (بابل) اسمٌ أعجمي، وليس عربياً مشتقاً، وهو اسمٌ لتلك المدينة التاريخية القديمة. ولا نبحث له عن معنى في اللغة العربية.

ولا نصدِّق أكاذيب اليهود التي سجَّلوها في العهد القديم عن معنى اسم (بابل)، وأنَّه مشتقٌّ من البلبلة والتفرُّق، حيث زعموا أنَّ أهل بابل بنوا برجاً عظيماً عالياً في السماء، فرأى (الرَّب) ما يفعلون، وخشيَ أن يتمكَّنوا من الصعود للسماء! فأمر الملك أن ينزل عليهم، وأن (يبلبل) ألسنتهم ويفرقهم! فسُمِّيتِ المدينة (بابل) من البلبلة والتفرُّق!!.

* * *

 

 

* أهم المصادر والمراجع:

- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.

- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.

- حجة القراءات: ابن زنجلة.

- معجم لسان العرب: ابن منظور.

 
 
دليل الأبحاث العلمية حول القرآن الكريم