*
تمهيد:
يقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدواء القرآن». رواه ابن ماجه.
يلجأ من
يستخدم المعالجة بالقرآن الكريم إلى استخدام طرق عِدَّة في العلاج ، منها قراءة
سور أو آيات معينة على الماء أو أي سائل طاهر كالزيت أو اللبن ثم شرب هذا السائل ،
ومنها أيضاً أن تكتب آيات من القرآن الكريم والأدعية المأثورة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالزعفران أو المِداد المباح - أي: سائل طاهر- في ورقة أو إناء
ونحوه ، وبعد ذلك تحل أو تذاب بالماء ويشرب منها المريض ويغتسل منها .. وتستخدم هذه الطرق في
علاج الأمراض النفسية والجسمية بأنواعها كالصرع والسحر والعين ومشاكل النزيف
والآلام والحمل والإسقاط ، ولكن بعد التأكد من سلامة الناحية الطبية للحالة
المرضية ، وخلوها
من الأمراض والعوائق الأخرى ، ودعم ذلك بكافة الفحوصات الطبية المؤكدة لذلك ، ولأهمية موضوع التداوي بالقرآن وتعلّقه بقضايا الرقية الشرعية ،
كان لا بد من الوقوف على أقوال أهل العلم ، ليتسنى بحث المسألة بحثاًدقيقاً
وموضوعياً لأمانة ذلك ومسؤوليته أمام الله تعالى ، ومعرفة موقف الشريعة الإسلامية
من استخدام المداد المباح كالزعفران ونحوه على هذا النحو وبهذه الكيفية.
* ونذكر
أولا ً أقوال وفتاوى علماء الأمة في هذا الموضوع :-
عن
عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: إذا عسر على المرأة ولادتها
فليكتب : (بسم الله لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ،
الحمد لله رب العالمين) (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا
إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ)
[سورة الأحقاف: الآية 35]، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً
أَوْ ضُحَاهَا) [سورة النازعات: الآية 46]. وقال: يُكتب في إناء نظيف
فتُسْقى منه ، قال: وزاد فيه وكيع: فتسقى ويُنضح - أي يُرَش- ما
دون سُرَّتها, قال عبدالله: رأيت أبي يكتب للمرأة في جام أو شيء نظيف(.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- : (ويجوز
أن يكتب للمُصَاب وغيره من المرضى شيئاً من كتاب الله وذكره بالمداد المباح ويُغسل
ويُسقى منه المريض ، كما نص على ذلك أحمد وغيره).
وقال
–رحمه الله -: (وإذا كتب شيء من القرآن أو الذكر في إناء أو لوح
ومُحِيَ بالماء
وغيره وشَرِبَ ذلك فلا بأس به نص عليه أحمد وغيره).
قال ابن القيم – رحمه الله -:
(ورأى جماعة من السلف أن تكتب الآيات من القرآن ، ثم يشربها، وذكر ذلك عن مجاهد وأبي
قلابة).
قال أبو
داود: (سمعت أحمد يُسْأل عن الرجل يكتب القرآن في شيء ثم يغسله ويشربه ؟ فأجاب :
أرجو أن لا يكون به بأس).
قال
الذهبي: ( ونصَّ أحمد أن القرآن إذا كتب في شيء وغُسِل وشُرب
ذلك الماء فإنه لا بأس به ، وأن الرجل يكتب القرآن في إناء ثم يسقيه
المريض ، وكذلك يُقرأ القرآن على شيء ثم يشرب منه كل ذلك لا بأس به).
سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز عن حكم
الآيات القرآنية التي تكتب ثم توضع في
الماء وتشرب ، فأجاب – رحمه الله - : ( أن كتابة الآيات والأدعية الشرعية
بالزعفران في صحن نظيف أو أوراق نظيفة ثم تغسل فيشربه منها المريض لا حرج في ذلك
وقد فعله كثير من سلف الأمة كما أوضح ذلك العلامة ابن القيم - رحمه الله – في كتابه زاد
المعاد وغيره ، إذا كان القائم بذلك من المعروفين بالخير والاستقامة والله ولي
التوفيق).
سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان عن الرجل يكتب آيات من القرآن
الكريم فيشربه
المريض؟
فأجاب : ( لا بأس بكتابة القرآن على شيء طاهر ويُغسل هذا المكتوب ويشربه المريض
للاستشفاء بمثل هذا لأنه داخل في الرُّقية، وقد رَخَّص في هذا الإمام أحمد وكثير من
الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى وكذلك العلامة ابن القيم في زاد المعاد
وغيرهم من أهل العلم فلا بأس في ذلك ،لأنه داخل في عموم الرقية ولكن الأولى أن تكون الرقية
بالقراءة على المريض مباشرة بأن يقرأ القرآن وينفث –يُنفخ بلطف- على المريض أو على محل الإصابة
هذا هو الأفضل والأكمل ، والله أعلم).
*
أما طرق المعالجة أو الاستشفاء بالقرآن الكريم فنذكر منها ما يلي:-
1- قراءة سورة (قل هو الله أحد)
والمعوذتين على موضع الألم.
كان النبي
عليه الصلاة والسلام إذا اشتكى ألماً، يقرأ سورة (قل هو الله أحد) والمعوذتين على
الموضع الذي يُؤلمه من جسده الشريف ويمسح بيده الشريفة على موضع الألم. فقد روى
الإمام مسلم عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه
بالمعوذات ، فلما مرض مرضه الذي مات فيه ، جعلت أنفث عليه وأمسح بيد نفسه لأنها
كانت أعظم بركة من يدي».
أي: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا اشتكى وجعاً ، جَمَعَ كفَّيه
وقرأ(قل هو الله أحد) والمعوذتين (قل أعوذ برب الفلق)،(قل أعوذ برب الناس) ثم
نفث-بمعنى نفخ بلطف- في يديه ومسح بهما جسمه وخاصة موضع الوجع، فلما مرض مرض الموت
واشتد عليه مرضه ، صارت عائشة رضي الله عنها تقرأ بهما وتنفث بهما في يَديِّ النبي
عليه الصلاة والسلام ثم تمسح بهما جسمه الشريف.
2- قراءة آيات من القرآن على الماء ونحوه.
إن قراءة
آيات من القرآن خاصة (آيات الشفاء الست) وهي:-
1-
قوله تعالى: ( قَاتِلوْهُم يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بأيديْكُم
ويُخْزِهِم ويَنْصُرْكُم عليهم ويَشْفِ صُدُورَ قوم ٍ مُؤمنين)
[التوبة :14].
2-
قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جآءتكم مَوعِظة ٌمِن رَّبِّكم
وَشِفاءٌ لما في الصُّدُور وَهُدىً ورَحْمَة ٌ للمُؤمنين) [يونس:
57].
3-
قوله تعالى: (يَخْرُجُ مِن بُطُونِها شَرَابٌ مُختلفٌ
ألوانُهُ فَيهِ شِفاءٌ للنّاس) [النحل: 69].
4-
قوله تعالى: ( ونُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفاءٌ
ورَحْمَة ٌ للمؤمِنينَ) [الإسراء :82].
5-
قوله تعالى: (وَإذا مَرِضْتُ فهو يَشْفِيْن)
[الشعراء: 80].
6-
قوله تعالى: (قُلْ هُوَ للذين ءامنوا هُدىً وشِفاءٌ) [فصِّلت:
44]
فقراءة هذه
الآيات على الماء تنفع بإذن الله تعالى في علاج العديد من الأمراض ، فليس في ذلك
محذور من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة صحيحة وكان الدواء مباحاً ، وبالتالي
فإنها مشروعة جائزة وليست من باب البدع بل هي من باب التداوي المشروع ، فيجوز
للمسلم أن يأتي بوعاء فيه ماء فيقرأ عليه آيات الشفاء الست ثم ينفخ بلطف على الماء
مرة واحدة، ثم يَشرَبه أو يَصُبُّه على موضع الألم طلباً للشفاء من الله تعالى.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: «عباد الله تداووا ، ولا
تتداووا بحرام».وقد روى أبو داود أن النبي عليه الصلاة والسلام: «قرأ على ماء في إناء وَصَبَّه على الصحابي ثابت بن قيس بن شمَّاس».وذلك
عندما كان مريضاً.
3- كتابة القرآن الكريم للعلاج.
يجوز كتابة
آيات من القرآن الكريم وخاصة آيات الشفاء وسورة الإخلاص والمعوذتين على ورقة ثم
غسل هذه الورقة بالماء في إناء ، ثم شُرب هذا الماء أو رَشِّه على موضع الألم أو
المرض ، وقد فعل ذلك عبدالله بن عباس وعلي رضي الله عنهما، وقد أجاز فعل ذلك
جَمْعٌ كبير من العلماء - رحمهم الله-.
*
أهم المصادر والمراجع:
- أحكام
الرقى والتمائم: د. فهد السحيمي.
- زاد
المعاد في هدي خير العباد: الإمام ابن القيم.
- الحقائق
الطبية في الإسلام: د. عبدالرزاق الكيلاني.
- الاستشفاء
بالقرآن والتداوي: محمد عصام طربية.
- روائع
الطب الإسلامي: د. محمد نزار الدقر.