تأتي للاستفتاح، وفائدته: التنبيه على تحقيق ما بعدها، ولذلك قلّ وقوع
الجمل بعدها إلا مصدّرة بنحو ما يُتلقّى به القسم، نحو ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾ [البقرة: 12].
﴿أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن
لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾ [فصلت: 54].
﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى
الظَّالِمِينَ﴾
[هود: 18].
﴿أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ
رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ﴾ [هود: 68].
﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ
مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ [هود: 8].
﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾
[هود: 5].
وتأتي مركبة من كلمتين: همزة
الاستفهام و«لا» النافية.
والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد
تحقيقاً كقوله تعالى: ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 11].
وقوله: ﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: 27].
والتقدير أنهم ليسوا بمتقين، وليسوا بآكلين.
وللعرض وهو طلب بلين، نحو: ﴿أَلَا
تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22].
﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا
نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ﴾ [التوبة: 13].
* * *
ألّا
حرف تحضيض، مركّبة من «أن» الناصبة و«لا» النافية، كقوله تعالى: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ [النمل: 31]، ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [النمل: 35].
ثم قيل: المشدّدة أصل، والمخففة فرع. وقيل: بالعكس.
وقيل: الهمزة بدل من الهاء، وبالعكس، حكاه ابن هشام الخضراويّ في حاشية
سيبويه.
* * *
إلّا
ترد لمعان:
الأول: الاستثناء. وينقسم إلى متصل: وهو ما كان المستثنى من جنس
المستثنى منه، نحو: «جاء القوم إلّا زيداً». وإلى منقطع: وهو ما كان من غير جنسه.
وتقدّر بـ «لكن» كقوله: ﴿لَّسْتَ
عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ22/إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ [الغاشية: 22-
23].
و﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء﴾ [الفرقان: 57].
وقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا﴾
في سورة الانشقاق [الانشقاق: 25].
و﴿إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ في آخر الغاشية
[الغاشية: 23].
وكذلك: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى
مِن رَّسُولٍ﴾
[الجن: 27]، ودخول الفاء في: ﴿فَإِنَّهُ
يَسْلُكُ﴾
[الجن: 27] دليل انقطاعه، ولو كان متصلاً لتم الكلام عند قوله: «رسول».
وقوله: ﴿إِلَّا تَذْكِرَةً
لِّمَن يَخْشَى﴾
[طه: 3]. ويجوز أن تكون ﴿تَذْكِرَةً﴾ بدلاً من
﴿ لِتَشْقَى﴾ [طه: 2] في الآية: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: 2]، وهو
منصوب بـ «أنزلنا» تقديره: ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة.
وقوله: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ
عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى19/إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: 19-
20]، فابتغاء وجه ربه ليس من جنس النعم التي تجزى.
وقوله: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: 40].
فقولهم: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾ ليس بحق يوجب
إخراجهم.
وقوله: ﴿لاَّ يَسْتَوِي
الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: 95]،
لا حرج عليهم في قعودهم؛ وإنما كان منقطعاً لأن القاعد عن ضرر – وإن كانت له نية
الجهاد- ليس مستوياً في الأجر مع المجاهد لأن الأجر على حسب العمل، والمجاهد يعمل
ببدنه وقلبه، والقاعد بقلبه.
وقوله: ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ
قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس:
98]، إذ لو كان متصلاً لكان المعنى: فهل آمنت قرية إلا قوم يونس، فلا يؤمنون!
فيكون طلب الإيمان من خلاف قوم يونس، وذلك باطل، لأن الله تعالى يطلب من كل شخص
الإيمان، فدلّ على أنّ المعنى: لكن قوم يونس.
وقال الزجاج: يمكن اتصاله، لأن قوله:
﴿ فَلَوْلاَ ﴾ في المعنى نفي، فإن الخطاب لما يقع منه الإيمان، وذلك
إذا كان الكلام نفياً، كان ما بعد «إلّا» يوجب إنكاره.
قال: ما من قرية آمنت فنفعها إيمانها
إلا قوم يونس.
وقد ردّ عليه الآمديّ بأنَّ جعْل
«إلا» منقطعة عما قبلها لغة فصيحة، وإن كان جعلها متصلة أكثر، وحمْل الكلام على المعنى
ليس بقياس.
ومنه قوله تعالى: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾ [هود: 43]، فإن «من رحم» بمعنى: «المرحوم»
ليس من جنس العاصمين؛ وإنما هو معصوم، فدلّ على أنها بمعنى «لكن».
فإن قيل: يمكن اتصاله على أن ﴿مَن
رَّحِمَ﴾ بمعنى «الراحم» أي: الذي يرحم، فيكون الثاني من جنس الأول.
قيل: حمْل هذه القراءة الأخرى، أعني
قراءة ﴿ رَّحِمَ﴾ بضم الراء، حتى يتفق معنى القراءتين.
_ _ _
الثاني: بمعنى «بل» كقوله تعالى: ﴿طه1/مَا
أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى2/إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾ [طه: 1_ 3]، أي:
بل تذكرة.
_ _ _
الثالث: عاطفة بمعنى «الواو» في التشريك كقوله تعالى: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ
ظَلَمُواْ﴾
[البقرة: 150]، معناه: «ولا الذين ظلموا».
وقوله: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ
لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ10/إِلَّا مَن ظَلَمَ﴾ [النمل: 10- 11]، أي: ومن
ظلم. يؤوّلها الجمهور على الاستثناء المنقطع.
_ _ _
الرابع: بمعنى «غير» إذا كانت صفة. ويعرب الاسم بعد «إلا» إعراب
«غير» كقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا
آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ الأنبياء: 22]، وليست هنا للاستثناء. وإلّا
لكان التقدير: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، وهو باطل.
ومثله: قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن
لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ﴾ [النور: 6]، فلو كان استثناء لكان من
غير الجنس؛ لأنّ «أنفسهم» ليس شهوداً على الزنا؛ لأنّ الشهداء على الزنا يعتبر
فيهم العدد، ولا يسقط الزنا المشهود به بيمين المشهود عليه.
وإذا جعل وصفاً فقد أمن فيه مخالفة
الجنس فـ «إلّا» هي بمنزلة «غير» لا بمعنى الاستثناء؛ لأنّ الاستثناء إما من جنس
المستثنى منه أو من غير جنسه. ومن توهّم في صفة الله واحداً من الأمرين فقد أبطل.
قال الشيخ عبد القاهر الجرجانيّ: هذا
توهّم منه، وخاطر خطر من غير أصل؛ ويلزم عليه أن تكون «إلّا» في قوله تعالى:
﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 77]،
وقوله: ﴿ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67]
استثناء، وأن تكون بمنزلة «غير»، وذلك لا يقوله أحد؛ لأنّ «إلّا» إذا كانت صفة كان
إعراب الاسم الواقع بعدها إعراب الموصوف بها، وكان تابعاً في الرفع والنصب والجر.
قال؛ والاسم بعد «إلّا» في الآيتين منصوب كما ترى، وليس قبل «إلّا» في
واحد منهما منصوب بـ «إلّا».
واعلم أنه يوصف بما بعد «إلّا» سواء كان استثناءً منقطعاً أو متصلاً. قال
المبرّد والجرميّ في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ
قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [هود: 116] لو قرئ بالرفع «قليل» على الصفة
لكان حسناً والاستثناء منقطع.
_ _ _
الخامس: بمعنى «بدل» وجعل ابن الضائع منه قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 44]
أي: «بدل الله» أي: عوض الله؛ وبه يخرج على الإشكال المشهور في الاستثناء، وفي
الوصف بـ «إلّا» من جهة المفهوم.
في أن يقال: إنّ ابن مالك جعلها في الآية صفة، وأنها للتأكيد لا للتخصيص،
لأنه لو قيل: لو كان فيهما آلهة فسدتا، لصح؛ لأن الفساد مرتّب على تعدّد الآلهة.
فيقال: ما فائدة الوصف المقتضى ها هنا للتأكيد؟ وجوابه: أنّ «آلهة» تدل
على الجنس أو على الجمع، فلو اقتصر عليه لتوهّم أن الفساد مرتّب على الجنس من حيث
هو، فأتى بقوله: ﴿ إِلَّا اللَّهَ﴾
ليدل على أن الفساد مرتب على التعدد. وهذا نظير قولهم في: ﴿إِلهَيْنِ
اثْنَيْنِ﴾
[النحل: 51] أن الوصف هنا مخصص لا مؤكّد لأن ﴿إِلهَيْنِ﴾ يدل على الجنسية
وعلى التثنية، فلو اقتصر عليه لم يفهم النهي عن أحدهما، فأتى بـ «اثنين» ليدل على
أن النهي عن الاثنين على ما سبق.
_ _ _
السادس: للحصر إذا تقدمها نفي:
إما صريح، كقوله تعالى: ﴿وَمَا
يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [الحجر: 11]. أو
مقدّر، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ
إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، فإنّ «إلّا» ما دخلت بعد لفظ
الإيجاب إلّا لتأويل ما سبق إلّا بالنفي، أي: فإنها لا تسهل، وهو معنى
«كبيرة»، وإما لأن الكلام صادق معها، أي: وإنها لكبيرة على كل أحد إلّا على
الخاشعين، بخلاف «ضربت إلّا زيداً» فإنه لا يصدق.
_ _ _
السابع: مركبة من «إن» الشرطية، و«لا» النافية، ووقعت في عدة مواقع
من القرآن.
نحو: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ﴾ [التوبة: 40].
﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ
فِي الأَرْضِ﴾ [الأنفال: 73].
﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ
يُعَذِّبْكُمْ﴾
[التوبة: 39].
﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: 47].
﴿وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي
كَيْدَهُنَّ﴾
[يوسف: 33].
ولأجل الشبه الصوريّ غلط بعضهم، فقال في «إلّا تفعلوه»: إنّ الاستثناء
منقطع أو متصل.
وعجبت من ابن مالك في شرح «التسهيل» حيث عدّها في أقسام «إلّا»، لكنه في
«شرح الكافية» قال في باب الاستثناء: لا حاجة للاحتراز عنها.
* فائدة:
قال الرماني في تفسيره: معنى «إلّا»: اللازم لها الاختصاص بالشيء دون
غيره، فإذا قلت: «جاءني القوم إلّا زيداً» فقد اختصصت زيداً بأنه لم يجئ، وإذا
قلت: «ما جاءني إلّا زيد» فقد اختصصته بالمجيء. وإذا قلت: «ما جاءني زيد إلّا
راكباً» فقد اختصصت هذه الحال دون غيرها من المشي والعدْو ونحوه.
* أهم المصادر والمراجع:
- معجم
الأدوات: راجي الأسمر.
- وانظر: لسان
العرب: الإمام ابن منظور.
- وانظر: معجم حروف المعاني: محمد حسن الشريف.
- وانظر: الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.
- وانظر: جواهر الأدب: أحمد الهاشمي.