إبراهيم: اسمُ علمٍ أعجمي، ممنوعٌ من الصرف، للعلَميَّة والعُجمة، أي:
أنه لا يَقبلُ التنوين، وأنه يُرفع بالضمة، ويُنصب ويُجرُّ بالفتحة.
من وروده مرفوعاً قوله تعالى: ﴿وَإِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [البقرة: 260].
ومن وروده منصوباً بالفتحة قوله: ﴿إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ [هود: 75].
ومن وروده مجروراً بالفتحة بدل الكسرة قوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ [الحج: 26].
وأُطلق اسمه على سورةٍ كريمة: (سورة إبراهيم) المكية.
وهو أبو الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، بعثه الله رسولاً إلى قومه
في العراق، وكانوا يعبدون الكواكب والأصنام، ويجعلونها آلهة، وقد دعاهم إلى
الإيمان بالله وعبادته وحده، ولكنهم لم يستجيبوا له، ولمَّا حطَّمَ أصنامهم أرادوا
إحراقه بالنار، ولكنَّ الله أنجاه منها.
وتوجَّهَ بأمر الله إلى الأرض المقدسة، ودعا فيها إلى الله، ثم أمره الله
أن يضعَ أهله في بلاد الحجاز، ولمَّا كبُرَ ابنه (إسماعيل) أمره الله أنْ يبنيَ
الكعبة البيتَ الحرام معه، وأنْ يُؤَذِّن في الناس بالحج.
وأخبرنا الله أنَّ أباه (آزر) كان كافراً، وأنَّ امرأته كانت مؤمنةً
صالحة، اسمها (سارة)، أنجبتْ له على الكبر ابنه (إسحاق)، أما ابنه الأكبر
(إسماعيل) فإنَّ أُمّه هي (هاجر).
ولم يتحدث القرآن إلا عن ابنين لإبراهيم، هما: إسماعيل وإسحاق عليهما
السلام، وبقيَ إبراهيمُ حياً حتى رأى حفيده (يعقوب) عليه السلام.
وادَّعَتْ طوائفُ ثلاثةٌ الانتسابَ لإبراهيم عليه السلام، وزعمتْ أنها على
دينه، وهم: اليهود والنصارى والعرب المشركون، فكذَّبهم الله في القرآن، لأنهم
كفار، وإبراهيم بريءٌ من الكفار الظالمين، وأَوْلى الناس بإبراهيمَ هم أتباعه
المؤمنون من قومه، وأُمَّهُ الرسولِ الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ
إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ65/هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا
لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ
يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ66/مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ
نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ67/إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 65_
68].
ولذلك كان إبراهيم عليه السلام (أباً) للأمة المسلمة، وهو الذي اختار لها
اسمها، وسَمّى أفرادَها (المسلمين)، قال تعالى: ﴿هُوَ
اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ
أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾ [الحج: 78].
والكافرون الظالمون من ذريته لا ينتسبون دينياً له، بل هو بريءٌ منهم،
وينطبق هذا على الطوائف الثلاثة الكافرة: اليهود والنصارى والمشركين العرب، فالله
جعل إبراهيم عليه السلام إماماً، وأخبره أنَّ عهده لا يصلُ إلى الكافرين الظالمين
من ذريته، قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى
إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ﴾
[البقرة: 124].
وأخبرنا الله أنَّ إبراهيم عليه السلام كان (أُمَّة) في إيمانه ودعوته
ومواقفه وآثاره، قال تعالى: ﴿إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ﴾
[النحل: 120].
وأمر اللهُ رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم أنْ يتبع ملة إبراهيم عليه
السلام، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي
رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 161].
وأبقى اللهُ ذكْرَ إبراهيمَ عليه السلام الطيِّبَ الحسنَ في ذريته وعقبه
إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا
كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 28].
ومن مظاهر الصلة الوثيقة بين إبراهيم عليه السلام وبين المسلمين، أنهم
يُصَلُّون عليه في الصلاة، ويَقرنون بينه وبين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حيث
يقولون في الصلاة الإبراهيمية: «اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما
صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، وباركْ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما
باركْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميدٌ مجيد».
وأنزل الله على إبراهيمَ عليه السلام صُحُفاً ليهتديَ بها أتباعه، قال
تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ
الْأُولَى18/صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: 18- 19].
ووردَ اسمُ (إبراهيمَ) تسعاً وستين مرة في القرآن: في سورة البقرة خمس
عشرة مرة، وفي سورة آل عمران إحدى عشرة مرة، وفي سورة الأنعام أربع مرات، وفي سورة
التوبة ثلاث مرات، وفي سورة هود أربع مرات، وفي سورة يوسف مرتين، وفي سورة إبراهيم
مرة، وفي سورة الحجر مرة، وفي سورة النحل مرتين، وفي سورة مريم ثلاث مرات، وفي
سورة الأنبياء أربع مرات، وفي سورة الحج ثلاث مرات، وفي سورة الشعراء مرة، وفي
سورة العنكبوت مرتين، وفي سورة الأحزاب مرة، وفي سورة الصافات ثلاث مرات، ومرةً
واحدةً في كلٍّ من سور: ص والشورى والزخرف والذاريات والنجم والحديد والأعلى،
ومرتين في سورة الممتحنة.
وبما أنَّ (إبراهيم) اسمُ علمٍ أعجمي، فهو ليس مشتقّاً ولا متصرِّفاً، ولا
نبحث له عن معنى في اللغة العربية، ولا نذهب إلى أَسفارِ العهدِ القديم عند اليهود
لنعرفَ منها معناه، ونتوقّفُ في ما قَدَّموه من بيانٍ لمعناه، وسببِ تسميته بهذا
الاسم.
والأصل أنْ لا نأخذَ روايات اليهود والنصارى وأخبارهم عن إبراهيمَ عليه
السلام، لأنهم ليسوا مأْمونين في ما يقدِّمون من تلك الروايات، ولأن كتبهم أصابها
التحريف والتغيير والتبديل، ونحن مأمورون بالتوقُّفِ في ما عندهم من ذلك، فلا
نصدِّقُه ونأخُذُه لأنه قد يكون باطلاً، وهذا هو الغالب فيه، ولا نكذِّبُه لأنه قد
يكون حقاً، وهذا هو النادر فيه، ونَكِلُ العلمَ به إلى الله تعالى.
وندعو إلى رفض ما يُطرحُ في هذا الزمان حول (أبناء إبراهيم) عليه السلام،
بزعم أنَّ أصحاب الديانات الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلام هم أبناء إبراهيم،
وأنهم كلَّهم موحّدون، وكلَّهم على حق، وكلَّهم مؤمنون في الجنة! وما أوردناه من
آيات سورة آل عمران قبلَ قليلٍ كافٍ بردِّ هذه المزاعم والأكاذيب!.
* * *
* أهم المصادر والمراجع:
- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.
- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.
- حجة القراءات: ابن زنجلة.
- معجم لسان العرب: ابن منظور.