آدَمُ: اسم علم أعجمي، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، يُرفعُ بالضمة،
ويُنصبُ ويُجرُّ بالفتحة.
وأُطلقَ هذا الاسم على أبي البشر عليه السلام، والذي سماه بهذا الاسم هو
الله سبحانه وتعالى.
ولسنا مع مَنْ يذهبون إلى أنَّ اسم (آدم) عربيٌّ مشتقّ، وأن جذْره الثلاثي
(أَدْم).
جاء في (مفرادتِ ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني، حول ما قيل عن اشتقاق
اسم (آدم) ما يلي:
«آدمُ: أبو البشر. قيل: سمي بذلك لكون جسده من أَديمِ الأَرض. وقيل:
لسمرةٍ في لونه. يُقال: رجلٌ آدَمٌ، نحو أَسمر. وقيل: سُمي بذلك لكونه من عناصر
مختلفة، وقوى متفرقة... وقيل: سُمي بذلك لما طُيِّبَ به من الروحِ المنفوخِ فيه...
وذلك من قولهم: الإدام، وهو ما يُطيَّبُ به الطعام...».
«قيل: هو مشتقٌّ من (أديمِ) الأرض، وهو ظاهرُها. وقيل: مشتقٌّ من
(الأدْمَةِ)، وهي السُّمرةُ الشديدة. وقيل: مشتق من (الأَدْم) وهو الخَلْط،
والإدامُ هو الطعام».
لسنا مع القائلين باشتقاق اسم آدم، ونرى أنَّ (آدم): اسمُ علمٍ أعجمي، لا
صلة بينه وبين(الأَدْمِ)، الجذر العربيّ الصحيح، لا في الاشتقاق، ولا في المعنى.
ولنا على ذلك دليلان:
1- آدم: أول مخلوقٍ خلقه اللهُ من البشر، واللغة العربية ظهرت بعد آدم
عليه السلام بآلاف السنين، لأن أول من تكلم بالعربية هو (يَعْرُبُ بن قحطان) في
الجزيرة العربية، بعد إسماعيل عليه السلام.
فكيف نجعل اسم (آدم) مشتقاً، مع أن صاحبه عاش ومات قبل أن يتكلم أولُ
عربيٍّ اللغةَ العربية؟.
2- لو كان اسم (آدم) عربياً مشتقاً من (الأَدْم) لكان في القرآن مُنوَّناً
مصروفاً كباقي الأسماءِ العربية المشتقة، مثل: هودٍ وصالحٍ وشعيبٍ عليهم السلام.
فورودُه في القرآن ممنوعاً من الصرف دلَّ على أنه علمٌ أعجمي وليس عربياً
مشتقاً، والله أعلم.
ولعلَّ الراغب الأصفهاني في المفردات لم يذهبْ إلى القول باشتقاقه
وعربيته، ولذلك أَوردَ الأقوالَ الثلاثة في مادة اشتقاقه بلفظ (قيل) الدالِّ على
التمريض والتضعيف، مما يوحي أنه لا يقولُ به.
ورد (آدمُ) في القرآن مرفوعاً، كما في مثل قوله تعالى:﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37].
وورد منصوباً، كما في مثل قوله تعالى:﴿وَعَلَّمَ
آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ [البقرة: 31].
وورد مجروراً بالفتحة لمنعه من الصرف، كما في مثل قوله تعالى:﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ
إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ [البقرة: 34].
وورد (آدمُ) خمساً وعشرين مرة في القرآن: في سورة البقرة خمس مرات، وفي
سورة آل عمران مرتين، وفي سورة المائدة مرة، وفي سورة الأعراف سبع مرات، وفي سورة
الإسراء مرتين، ومرةً واحدة في كلٍّ من سورِ: الكهف ومريم ويس، وفي سورة طه خمس
مرات.
وأحياناً كان الخطابُ لآدمَ نفسه، أو كان إخباراً عن ما جرى بينه وبين
إبليس، وأحياناً كان الخطابُ لبني آدم، أو إخباراً عنهم.
خاطب الله (بني آدم) في مثل قوله تعالى: ﴿يَا
بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ
الْجَنَّةِ﴾
[الأعراف:27].
وأخبر الله عن تكريمه لبني آدم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ﴾
[الأعراف: 27].
وأخبر الله عن النبيين الذين اصطفاهم من ذرية آدم في قوله تعالى:﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ
مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ [مريم: 58].
وتحدث القرآنُ عن المراحل التي مرَّ بها خلْقُ آدمُ عليه السلام قبل نفخ
الله فيه من روحه، وهي خلْقُه من تراب، ثم من طينٍ، ثم من طينٍ لازب، ثم من صلصالٍ
من حمأ مسنون، ثم من صلصالٍ كالفخار، وبعد ذلك نفخ الله فيه من روحه فصار إنساناً
حياً، وهذا كلُّه جَرى في الجنة دارِ الخلد، وأمر اللهُ الملائكةَ أنْ يسجدوا له،
سجود تحيةٍ وتكريم، فنفّذوا الأمر جميعاً، أما إبليسُ فقد تمرد وعصى، فلعنَه الله،
وطرده من رحمته وجنته.
وخلق الله لآدم زوجاً، لا نعرف كيفية وتفصيل خلْقِها، وأباحَ اللهُ لهما
سكنى الجنة والتحرُّك فيها، وأكل ما يريدان من ثمارها، إلا شجرةً واحدةً، نهاهما
عن الاقتراب منها، والأكل من ثمارها، قال تعالى:﴿وَقُلْنَا
يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ
شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35].
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ اسْمَ زوجه هو (حواء). فقال صلى
الله عليه وسلم: «لولا حواء لما خانَتْ أُنثى زوجَها».
وزيَّن إِبليسُ اللعينُ لآدم وحواء الأكل من الشجرة التي نهاهُما اللهُ عن
الأكل منها، وما زال بهما حتى أقسم لهما أنه لهما من الناصحين، فنسيا عهد الله
وأكلا منها، وما أَنْ ذاقا الشجرة حتى بدت لهما سوءاتُهما، فقاما فوراً بتغطيتهما
بورقٍ من أشجار الجنة، ولما شعرا بالمخالفةِ سارعا بالتوبة والاستغفار، وقالا:
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].
وقدَّر اللهُ أن ينزل آدمُ وحواءُ وإبليسُ إلى الأرض، وأن تبقى العداوة
بين بني آدم وإبليس حتى قيام الساعة؛ قال تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [البقرة: 36].
ونجح الشيطان في إغواءِ أَحد ابْنَيْ آدمَ من صُلبه، حيث زيّنَ له قتْلَ
أَخيه، وذكرت سورة المائدة خلاصة قصتهما.
ولم يذكر القرآنُ المكان الذي أُهبط فيه آدم على الأرض، ولا المنطقةَ من
الأرضِ التي أقام فيها مع زوجه حواء، ولا عددَ مَنْ أنجبا من الأولاد والبنات، ولا
العمر الذي عاشه كلٌّ منهما، ولا المكان الذي دُفنَ فيه كلٌّ منهما، فهذا من
(مبهمات القرآن) التي لا نبينُها، لأن بيانَها لم يَرِدْ في القرآنِ أو الحديث
الصحيح.
وكما قلْنا في اسم (آدم) نقولُ في اسمِ زوجه (حواء)، من أنه اسمٌ أعجمي،
وليس عربياً مشتقاً من الحياة، كما زعم ذلك بعضُهم!.
* * *
* أهم المصادر والمراجع:
- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.
- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.
- حجة القراءات: ابن زنجلة.
- معجم لسان العرب: ابن منظور.