لقمان: اسمُ علمٍ أعجمي، ممنوعٌ من الصرف للعملية والعجمة.
وذهب بعضهم إلى أنّه عربيٌّ من (اللَّقْم)، وهو الأكل والتقامُ الطعام.
ومال الراغب الأصفهاني إلى أنّه عربيٌّ مشتق، فقال في (المفردات): «لقمان:
اسم الحكيم المعروف. واشتقاقه يجوز أنْ يكون من (لقمتُ الطعام، ألقُمُه،
وتلقَّمْتُه. ورجلٌ تلقام: كثير اللُّقم)».
ورجَّح السمينُ الحلبي أنه أعجمي. فقال:«لقمان: قيل: أعجمي. وهو الظاهر،
فمنه للتعريف والعجمة الشخصية. وقيل: هو عربيٌّ مشتقٌّ من (اللَّقْم)، وهو حينئذٍ
مرتجل، لأنه لم يُسبق له وضعٌ في النكرات. ومنه حينئذٍ للتعريف وزيادة الألف
والنون».
ونقل الفيروزآبادي الاتفاق على أعجميته، رغم ميل الراغب ومن معه إلى
اشتقاقه. فقال في بصائره:«اتَّفقوا على أنّه اسمٌ أعجميٌّ ممنوع من الصرف.
قيل: هو عبراني، وقيل: هو سرياني».
والراجح أنَّ (لقمان) أعجمي، وأنَّ منعه من الصرف للعلمية والعجمية.
وورد (لقمان) مرتين في القرآن، في السورة التي تحمل اسمه.
وذكرت السورة أنَّ الله آتى لقمان الحكمة، القائمة على الإيمان بالله
وشكره، وأخبرت عن المواعظ والتوجيهات التي قدَّمها لقمان لابنه وهو يعظه.
قال تعالى:(ولقد أتينا لقمان الحكمة أنِ اشكر لله ومن يشكر فإنَّما يشكرُ
لنفسه ومن كفر فإنَّ الله غنيٌّ حميدٌ) [لقمان:12].
أنعم الله على لقمان بأعظم نعمةٍ بعد نعمةِ الوجودِ ونعمة الإيمان، وهي
نعمةُ الحكمة، والحكمةُ هي حسن الفهم والعلم والتصرف والسلوك والأناة والحلم، ورأس
الحكمة شكر الله على ما أنعم به من نعم.
واختلف الباحثون في لقمان، هل كان نبيّاً أو مجرّدَ إنسانٍ حكيم، فذهب
بعضهم إلى القول بنبَّته، ولكنّنا، لا نجد على ذلك دليلاً صريحاً من آيات القرآن
ولا حديثاً صحيحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بُدَّ من الدليل الصحيح
الصريح للقول بنبوّة أحد.
ولا نستطيع الجزم بعدم نبوَّته أيضاً لأننا لا نملك الدليل عليه، والأولى
والأفضل والأسلم أنْ نتوقَّفَ في ذلك، ونعترف بقصورنا عن إثبات نبوَّته أو نفيها،
ونقول: الله أعلم هل كان نبيّاً أم لا .
ولم يتحدث القرآن عن حياة لقمان، فلم يذكر نسبه ولا قومه، ولا المكان الذي
عاش فيه، ولا الزمان الذي أدركه، ولا الناس الذين كان معهم ولا تفاصيل حياته ولا
كيف صار حكيماً.. وقد تكلَّم الإخباريُّون في ذلك، وأوردوا أخباراً وروايات عديدة
عنه، لكنَّها لم تنقل بأسانيد صحيحةٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا
نقول بها، ونبقي هذه المبهمات على إبهامها!.
وكما أكثر الإخباريُّون الكلام على حياة لقمان، كذلك أكثروا الكلام على
(الحكم) والأمثال التي نسبت إلى لقمان، والدالّة على حكمته، والتي قاربت سبعين
قولاً وحكمة!.
وقد تكون بعض الحكم والأقوال المنسوبة له صحيحةً صائبةً من حيث المعنى،
لكنَّ إثبات أنَّ لقمان الحكيم قالها يحتاج إلى نصًّ صحيح صريح، كأنْ يكون حديثاً صحيحاً
للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا غير موجود.
ولذلك نتوقف في نسبة الحكم المذكورة في الكتب إلى لقمان، لعدم وجود دليلٍ
معتمدٍ في ذلك، وهذا لا يمنعُ من رواية هذه الحكم والقول بها والتزامها، على أنّها
أقوالٌ حكيمة، من دون تحديد قائليها.
فقد ذكر محمد الطاهر ابن عاشور ثمانياً وعشرين حكمةً منسوبةً إلى لقمان
أخذها من تفسير الآلوسي، وأضاف لها حكماً أُخرى من مصادر أُخرى.
ومن الممكن أن نذكر بعضها غير منسوبة إلى لقمان كأن نقول: من الأقوال
الحكيمة: لا تأكل شبعاً على شبع! ومن الأقوال الحكيمة: لتكن كلمتك طيبةً، ووجهك
بسطاً، تكن أحبَّ إلى الناس ممن يعطيهم العطاء... وهكذا.
وأخبرنا الله في القرآن أنَّ لقمان الحكيم نصح ابنه ووعظه، وقدَّم له
مجموعةً من النصائح والمواعظ والتوجهات، وذلك في سبع آيات من سورة لقمان [13_19].
نهى لقمان ابنه عن الشرك بالله، لأنَّ الشرك ظلمٌ عظيم، ووجهه إلى البرَّ
بوالديه ودعاه إلى تذكُّر حمل أمَّه به وإرضاعها له، وأخبره بأنَّ برَّ الوالدين
واجب، وأنَّه لا يعصيهما إلا إذا أمراه بمعصية، ومع ذلك يجب مصاحبتها في الدنيا
بالمعروف والبر.
وذكَّره بشمول علم الله لكلَّ شيء، لأنَّه لطيفٌ خبير، وبكلَّ شيء عليم،
ودعاه إلى إقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما أصابه
من ذلك، ونهاه عن التكبُّر على الناس والاختيال عليهم، وطلب منه أنْ يقصد في مشيه،
ويغضَّ من صوته، لأنَّ أنكر الأصوات صوت الحمير.
وبدل ذكر أخبارٍ لم تصحّ عن لقمان
وأقوالٍ لم تثبت عنه، علينا أن نقف أمام وصاياه إلى ابنه، التي ذكرها القرآن متدبّرين
مستفيدين!.
* * *
* أهم المصادر والمراجع:
- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.
- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: السمين الحلبي.
- بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: الفيروزآبادي.