أولا : تضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأكثر من الدعاء
بأن يعينك على حفظ القرآن فإن القرآن كما قال محمد بن واسع : ((... بستان العارفين
، فأينما حلُّوا منه حلُّوا في نزهة )) .
واعلم أن الإلحاح في الدعاء
من أعظم آداب الدعاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يزال يستجاب للعبد
ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل )) قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟
قال : (( يقول : قد دعوت وقد دعوت فلم أرَ يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء
)) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ثانيا : اجعل لك وِرداً يوميا تتلو فيه القرآن وحبذا أن لا يقل
عن جزء في اليوم ، ولا تبدأ عملك اليومي في مدارسة العلم إلا بعد الانتهاء من ورد القرآن
. ولا يشغلنك الحفظ عن التلاوة ، فإن التلاوة وقود الحفظ.
ثالثا : داوم على أذكار الصباح والمساء والنوم ، وأيضا المداومة
على الأحراز التي تحفظك بإذن الله من الشيطان، فإن الذكر عدو الشيطان قال تعالى : { إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91)} المائدة .
فإِنْ حَفِظَك اللهُ من
الشيطان استطعت المداومة على تلاوة كتابه وحفظه ، لأن الشيطان نعوذ بالله منه إذا عجز
عن إيقاع المسلم في الشرك والبدع والكبائر والصغائر، وسوس له ودعاه إلى الاشتغال بالمباحات
التي لا ثواب فيها ولا عقاب أو يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ، كمن يشتغل بالصلاة
النافلة والإمام قائم يصلي الفريضة ، وكمن يشتغل بحفظ الشعر الذي هو كلام البشر ولا
يحفظ من القرآن إلا القليل .
رابعا : لا تتخلفن عن مجالس العلماء ، خاصة مجالس
القرآن إلا لعذر ، ومقياس هذا العذر أنك لو وعدت في هذا المجلس بعشرة آلاف ليرة هل
كنت ستتخلف عنها؟؟!!.. البعض لو دعي إلى عقيقة أو وليمة لبى مسرعا ، وإذا مر بمجلس
علم ولى مدبرا!! ويقول البعض في هذه الأيام أستطيع سماع هذا المجلس من الأشرطة المسجلة
!! ولكن هذا المسكين قد حرم نفسه من أجر عظيم وهو لا يعلم ، روى مسلم وأبو داود عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله
عز وجل ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة
وذكرهم الله فيمن عنده )) .
خامسا : عليك بالصاحب الذي يساعدك على ذكر الله، فإن بعض الأصحاب
إذا دعوته لتلاوة القرآن أخبرك بأنه يريد الانصراف لأمر ما ، ولو أنك استرسلت معه في
حديث غيره ما أخبرك بالانصراف ، فاظفر بالصديق الذي يعينك على تلاوة القرآن فإنه كنز
نفيس .
سادسا : إذا صليت وراء إمام ، وكنت تحفظ الآيات
التي يتلوها في الصلاة ، فقف مستمعا لا مصححا ، فإذا التبست عليه بعض
الآيات لتكن نيتك عند التصحيح إجلال كلام الله تعالى وحفظه ، وإلا كما جاء في سنن ابن
ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( من تعلم العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس
إليه ، أدخله الله جهنم )) .
سابعا : اعلم أن بداية العلم هو حفظ القرآن، وكل
آية تحفظها باب مفتوح إلى الله تعالى ، وكل آية لا
تحفظها أو أنسيتها باب مغلق ، حال بينك وبين ربك ، واعلم أن المسلم لو عرض عليه ملء
الأرض ذهبا لا يساوي نسيانه أقصر سورة في القرآن ، بل لا يساوي حرفا واحدا من كتاب
الله تعالى ، فينبغي أن يكون حرصك على ما لا تحفظه من القرآن أكثر من حرصك على أقصر
سورة في القرآن .
ثامنا : حافظ على الوضوء عند قراءة القرآن مع إحسانه، ومعنى إحسانه
هنا اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء .
تاسعا : المحافظة على الاستغفار والإكثار منه، فإن نسيان القرآن
من الذنوب . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إني لأحتسب أن الرجل ينسى العلم
قد عَلِمَه بالذنب يعمله .
( وكان الإمام أبو حنيفة
رحمه الله تعالى ورضي عنه : إذا أشكلت عليه مسألة قال لأصحابه : ما هذا إلا لذنب أحدثته
! وكان يستغفر، وربما قام وصلى ، فتنكشف له المسألة . ويقول: رجوت أني تيب عليّ . فبلغ
ذلك الفضيل بن عياض ، فبكى بكاء شديدا ثم قال : ذلك لقلة ذنبه ، فأما غيره فلا ينتبه
لهذا ) .
وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد : ( الذنوب جراحات
، ورب جرح وقع في مقتل !! وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ،
وأبعد القلوب من الله القلب القاسي! وإذا قسا القلب قحطت العين، وقسوة القلب من أربعة
أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم ، والكلام والمخالطة).
ومن آثار المعاصي كما ذكر ابن القيم في الجواب الكافي : ( حرمان
العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفئ ذلك النور )
ولما جلس الإمام الشافعي
بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال
: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا ، فلا تطفئه بظلمة المعصية .
وقال الشافعي :
شكوت إلى وكيع
سوء حفظي فأرشدني
إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم
نور ونور
الله لا يُهدى لعاصي
وذكر ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى في سورة الشورى { وما أصابكم من
مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } عن الضحاك قال : ما نعلم أحدا حفظ القرآن
ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ { وما أصابكم من مصيبة ..} الآية ثم قال الضحاك : وأي مصيبة
أكبر من نسيان القرآن .
عاشرا : احذر من الغرور بما تحفظه من كتاب الله
وتعلم القرآن ، وليكن تعلمك للقرآن
ابتغاء ما عند الله واكتساب الخشية والسكينة والوقار لا الاستكبار .
قال الشافعي : كنت أتصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها
. وقال الربيع -تلميذ الإمام الشافعي (والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر)
انتهى.
فانظر رحمني الله وإياك
في أحوال السلف وكيف كان تواضعهم في العلم وشتى أمورهم ، واحذر ثم احذر أن تنظر إلى
الناس بعين الاحتقار والتقليل من شأن بعضهم لأنك تحفظ القرآن وهم لا يحفظون فإنها مصيبة
أيما مصيبة !!.
حادي عشر : اعلم أخي أن حفظ القرآن نعمة عظيمة على
الحافظ لكتاب الله تستحق الشكر حيث يكون القلب عامرا فاحمد الله أيها الحافظ واشكره
على هذه النعمة ، قال تعالى : { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن
عذابي لشديد}[إبراهيم 7 ] .