بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
تحت عنوان " أسئلة جغرافية
" جاءت الشبهات التالية ... مما سأنقله مختصراً:
" - مغيب
الشمس في بئر جاء في سورة الكهف 83-86 وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ
سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لهُ فِي الأرْضِ
وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ
مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا
قَوْماً.
ونحن نسأل: إذا
كانت الشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة، فكيف تغرب في بئر رآها ذو
القرنين ورأى ماءها وطينها ورأى الناس الذين عندها ؟؟[1]
- الأرض ثابتة لا
تتحرك جاء في سورة لقمان 10 "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ
تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ". وجاء في
الرعد 3 "وَهُوَ الذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ". وجاء
في سورة الحِجر 19 "وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا
فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ". وجاء في سورة النحل 15 "وَأَلْقَى
فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلا لعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ". وجاء في سورة الأنبياء 31 "وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ
رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلا لعَلَّهُمْ
يَهْتَدُونَ".
ونحن نسأل: إذا كان
واضحاً أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة، وينشأ عن تلك الحركة
الليل والنهار. وتدور حول الشمس مرة كل سنة، وينشأ عن ذلك الدوران الفصول الأربعة.
فكيف تكون الأرض ممدودة مبسوطة ثابتة لا تتحرك، وأن الجبال تمنعها عن أن تميد؟
- النجوم رجوم
للشياطين جاء في سورة المُلك 5 "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوما للشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لهُمْ عَذَابَ
السَّعِيرِ".
وجاء في سورة
الصافات 6-10 "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةِ الكَوَاكِبِ
وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلإ الأعْلَى
وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلا مَنْ
خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ". وجاء في سورة الحِجر 16-18
"وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا للنَّاظِرِينَ
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَاٍن رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ
فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ".
ونحن نسأل: إذا كان
كل كوكب هو عالم ضخم، والكواكب هي ملايين العوالم الضخمة تسبح على أبعاد شاسعة في
فضاء لا نهائي، فكيف نتصور الكواكب كالحجارة يمسك بها ملاك في حجم الإنسان ليضرب
بها الشيطان منعا له من استماع أصوات سكان السماء؟ هل كل هذه الأجرام السماوية
خُلقت لتكون ذخيرة أو عتاداً حربياً كالحجارة لرجم الشيطان حتى اشتهر اسمه
بالشيطان الرجيم؟! وكيف يطرح الملائكة الكواكب؟ وكيف يُحفظ توازن الكون إذا سارت
في غير فلكها؟
- السموات السبع
والأراضي السبع جاء في سورة الطلاق 12 "اللَهُ الذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ"."..
ونحن نسأل: كيف يقول
عن الفضاء المتسامي سموا لا متناهي فوقنا إنه سقف أملس قابل للسقوط، وإنه يوجد
سبعة سقوف من هذا النوع؟ وإن ملايين الكواكب التي تسبح في الفضاء غير المحدود
مصابيح مركزة في هذا السقف الموهوم؟ وكيف يقول إن أرضنا، وهي واحدة من ملايين
الكواكب والسيارات والأقمار والشموس يوجد سبعة مثلها؟
- شهر النَّسيء
كفر! جاء في سورة التوبة 36 و37 "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ
اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا
فِيِهنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ
كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً
وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما ليُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا
حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ
الكَافِرِين".
ونحن نسأل: يؤرخ
جميع العلماء بالسنة الشمسية التي تفرق عن السنة القمرية شهر النسيء. فهل في هذا
كفر؟ وكيف نعتبر الحساب الفلكي الطبيعي كفراً ؟
- ري مصر بالغيث!
جاء في سورة يوسف 49 "ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ
النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ". والإشارة هنا إلى القحط الذي أصاب مصر سبع
سنين متوالية أيام يوسف فيبشرهم بالخصب بعد الجدب، ويقول إنه في عام الخصب
يُمطَرون، فكأن خصب مصر مسبَّب عن الغيث أو المطر. وهذا خلاف الواقع، فالمطر قلّما
ينزل في مصر، ولا دخل له في خصبها الناتج عن فيضان النيل. فكيف ينسب خصب مصر للغيث
والمطر ؟
- الزيتون في طور
سيناء جاء في سورة المؤمنون 19 و20 "أَنْشَأْنَا لكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ
نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ
لِلآكِلِينَ ".
قال المفسرون:
المراد بالشجرة هنا الزيتون وبالصبغ أي الآدام الذي به يصطبغ الخبز.
ونحن نسأل: لم
تشتهر صحراء سيناء الجرداء بشجر الزيتون. ألم يكن الأجدر أن يذكر فلسطين بزيتونها،
لا سيناء التي من قحطها أرسل الله لبني إسرائيل فيها المن من السماء ؟
- جريان الشمس جاء
في سورة يس 38 "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ
العَزِيزِ العَلِيمِ ".
ونحن نسأل: الشمس
ثابتة تدور حول نفسها ولا تنتقل من مكانها، والأرض هي التي تدور حولها. فكيف يقول
القرآن إن الشمس تجري، وإن لها مستقراً تسير إليه ؟ ".
وجواب ذلك أن غالب نقدهم ناتج عن عدم
فهمهم لمعاني اللغة العربية، ومقاصد الآيات الكريمة. كما أن الأصح أن يطلق على
بعضها: نقدُ أخطاء المفسرين، ولذلك يجب أن يكون عنوانه: أخطاء جغرافية عند
المفسرين. فلم يصرح القرآن الكريم بأي علم يخالف الحس والمشاهدة.. بحسب التفصيل
التالي:
1. العين الحمئة:
أ. القرآن الكريم لم يقل إن الشمس
تطلع من عين حمئة، بل نقل وَصْفَ ذي القرنين لمشهد شروق الشمس. ولهذا قال: "
وَجَدَهَا " ولم يُثبت ذلك على أنه حقيقة كونية. فلا يجوز نسبة قول ذي
القرنين وتعبيره البلاغي، إلى ما يرشد إليه القرآن الكريم من حقائق العقائد،
والشواهد الكونية.
إذا كنت متجهاً غرباً وأمامك جبل،
فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل.. قطعاً لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ
حقيقة خلف الجبل. وإن كان الذي أمامك بحيرة، فستجد الشمس تغرب في البحيرة. وذو
القرنين وصل الى العين وقت غروب الشمس، فوجدها تغرب في تلك العين.. وعندما نقول:
وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين فذلك الأمر بنسبة له. والآية ليست
مطلقة المعنى، بل مقيدة بشخص ذي القرنين.
وحتى ما رآه ذو القرنين لم يكن
غروباً حقيقياً في العين الحمئة، حيث ينفي سياق القصة ـ عقلاً ـ إيمانه أن الشمس
تغرب في عين حمئة لسببين:
الأول: ذو القرنين كان يتحدث مع
السكان الموجودين قرب تلك العين الحمئة، فلو كان يقصد أن الشمس تدخل في العين
حقيقة، فهل سيتكلم مع قوم حول الشمس الساخنة، ويعيشون حياة طبيعية ؟
الثاني: لما وصل ذو القرنين إلى مطلع
الشمس، يفترض به ـ بحسب تلك الشبهة ـ أن يجد الشمس تطلع من عين حمئة بدلاً من أن
يجدها تطلع على قوم. فلماذا قال: إنها طلعت على قوم، ولم يقل أشرقت من عين حمئة ؟
ب. قال تعالى ـ بعد تلك الآية
الكريمة: " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى
قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) ".
ذو القرنين وجدها تطلع على قوم.. هل
يفهم أحد من ذلك أنها تطلع على ظهورهم ؟! أو أنها ملامسة للقوم؛ لأنه الله Y
يقول: " وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ " ؟ الواضح أنها بنسبة لذي
القرنين كانت تطلع على أولئك القوم ـ هذه الآية أيضاً مقيدة بما رأى ذو القرنين ـ،
وما ينطبق على هذه الآية، ينطبق على التي قبلها.
ج. " مغرب الشمس " هل هو
ظرف زمان، أم ظرف مكان ؟
من الجائز أن: " مَغْرِبَ
الشَّمْسِ " هنا يقصد بها: الوقت واللحظة التي تغرب فيها الشمس، كالمغرب
المذكور في الحديث الشريف: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنْ
الْأُمَمِ، مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.. ".
فيكون المعنى: ذو القرنين وصل إلى
العين الحمئة، وقت الغروب. فوجد الشمس تغرب في تلك العين.. ثم وصل إلى قوم آخرين
وقت شروقها..
انظر النص التالي في العهد
القديم:" أما هما في عبر الأردن وراء طريق غروب الشمس في أرض الكنعانين
" [سفر التثنية 11/30].
د. غروب الشمس لا يعني دخولها في
الأرض ـ حتى في تعبيرنا الحالي ـ. وفي لغة العرب: غربت الشمس، وغربت القافلة،
وغربت السفينة تأتي بمعنى واحد، وهو: اتجهت غرباً. فعندما نقول: غرب طير في
البحيرة، وغربت الطائرة في المحيط، وغربت السفينة في البحر، وغربت الشمس في
البحيرة.. يعني اتجهت غرباً ـ بالنسبة للشخص الذي ينظر إليها ـ. ولا يعني أنها
دخلت في البحيرة.
وسؤال أخير إلى أولئك (الأعاجم): هل
كلمة (sunset)
الإنجليزية والتي تعني حرفياً: " الشمس جلست ". تفيد أن الإنجليز يظنون
أن الشمس تجلس في البحر، أو على قمة الجبل، أو على الأفق ؟
2. ثبات الأرض:
الآية الكريمة تبيِّن حفظ الأرض عن
اضطراب باطنها، نتيجة دورانها حول نفسها، لا عن ثبات جرمها بالكامل.
" معنى تميد: تضطرب وتتزلزل،
ولا يراد بالمَيَدَان مجرد حركة متزنة، والمصدر الثلاثي (فعلان) يأتي لإفادة هذا
المعنى، مثل ميدان وغليان وثوران... وهكذا، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى
يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم، ولو كانت مضطربة
ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال.
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي
السفينة، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب، وقد نطلب من السائق أن
يعمل شيئاً يسكنها لتثبت، ولا نعني بطلب تثبيته أنننت نريده أن يقف ولا يتحرك، بل
أن ينقطع اضطرابه.. " وَكُلٌ فِيْ فَلَكٍ يَسْبَحُوْنَ " [يس: 40]،
و" كُلٌ " كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى،
فالقرآن إذاً يقرر حركة كل هذه الكواكب ".
3. وظائف النجوم:
أولاً: الآيات الكريمة تتحدث أن
الحرارة الناتجة عن احتراق الجرم السماوي (الشهاب) ـ الذي لا يشترط أن يكون أصله
نجماً ـ رجوم للشياطين. ولم تذكر أبداً أن أداة الرجم نجماً كاملاً. " والذي
في الآية أن هناك أجساماً نارية تصيب الشياطين، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم
أو أن الملائكة ترميه به، والعلم الحديث، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي
ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره،
وبعضها يصل إلى الأرض، وهي تشبه المقذوفات البركانية، والذين درسوا الجغرافية
الفلكية يعرفون هذا، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء،
خصوصاً إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض، والله تعالى يصيب بها من يشاء
ويحفظ بها من يشاء ".
قال تعالى في سورة الحجر: "
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا
لِلنَّاظِرِينَ(16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلَّا مَنِ
اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18) ". فالبروج
بقيت في مكانها، والذي تحرك هو الشهاب.
وتأمل ما ورد في سورة الصافات:
" إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ
الْكَوَاكِبِ(6)وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ(7)لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى
الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ(8)دُحُورًا وَلَهُمْ
عَذَابٌ وَاصِبٌ(9)إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
ثَاقِبٌ(10) ". فالذي (أتْبَعَ) الشيطانَ الماردَ ليس الكوكب [المذكور في
الآية رقم (6) ]، بل الشهاب [المذكور في الآية رقم (10) ].
ثانياً: عالم الشياطين غيب، لا يجوز
قياس الغيب بأدوات البحث العلمي المستخدمة للمحسوسات.
ثالثاً: للنجوم في القرآن الكريم
فوائد أخرى كالزينة، وعلامات يستدل بها الناس على الاتجاهات (انظر: الأنعام: 97،
الحجر: 16، النحل: 16، الصافات: 6).
رابعاً: لا يشترط أن تكون النجوم
المذكورة في القرآن الكريم هي عينها ما اتفق عليه اصطلاح الناس حديثاً بأنها ذلك
الجرم الكوني الضخم الغازي المضيء بذاته كالشمس. بعكس سائر الأجرام المعتمة
كالكواكب والأقمار..
فيجوز أن يكون المقصود بالنجم ـ لغة
لا اصطلاحاً ـ: كل جسم صلب يسبح في الفضاء. جاء في العين: " النَّجمُ: اسم
يقعُ على الثُّريا، وكلِّ منزلٍ من منازلِ القمر سمِّي نجماً. وكل كوكب من أعلام
الكواكب يُسمى نجماً، والنُّجومُ تَجمَعُ الكواكب كلَّها ".
وتلك الشبهة ليس حديثة، بل أثارها
الزنادقة في العصر العباسي، ورد عليهم الجاحظ بقوله:
" قالوا: زعمتم أنَّ اللّه
تعالى قال: " وَلَقد زَيَّنا السَّمَاءَ الدُّنْيا بِمَصَابِيْحَ
وَجَعَلْناهَا رُجُومَاً لِلْشّيَاطِيْن" [الملك: 5]، وقال تعالى: "
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيْمٍ" [الحجر: 17]، ونحنُ لم نجدْ
قطُّ كوكباً خلا مكانهُ، فما ينبغي أنْ يكون واحدٌ من جميع هذا الخلق، من سكّان الصحارى،
والبحار، ومن يَراعِي النُّجوم للاهتداء، أو يفَكِّر في خلق السماوات أن يكون يرى
كوكباً واحداً زائلاً، مع قوله: "وَجَعَلْناهَا رُجُوماً للشَّياطينِ" ؟
قيل لهم: قد يحرِّك الإنسانُ يدَه أو
حاجبَه أو إصبَعه، فتضاف تلك الحركةُ إلى كلِّه، فلا يشكُّون أنّ الكلَّ هو
العاملُ لتلك الحركة، ومتى فصَل شهابٌ من كوكب، فأحرق وأضاء في جميع البلاد، فقد
حكَم كلُّ إنسانٍ بإضافة ذلك الإحراق إلى الكوكب، وهذا جواب قريبٌ سهل، والحمد
للّه.
ولم يقلْ أحد: إنّه يجبُ في قوله:
"وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً للِشَّيَاطِيْنِ " أنّه يَعْني الجميع، فإذا
كان قد صحّ أنّه إنَّما عَنى نُجُوم المجرّة، والنجومَ التي تظهر في ليالي
الحنادس؛ لأنّه محال أن تقعَ عينٌ على ذلك الكوكبِ بعينه في وقت زوَاله حتّى يكون
اللّه عزّ وجلَّ لو أفنى ذلك الكوكَب من بين جميع الكواكب الملتفَّة، لعرف هذا
المتأمِّلُ مكانه، ولوَجَدَ مَسَّ فقدِه، ومن ظَنَّ بجهله أنَّه يستطيع الإحاطة
بعدد النُّجوم فإنه متى تأَمَّلها في الحَنادس، وتأمَّل المجرَّة وما حولها، لم
يضرِب المثل في كثرة العدد إلاّ بها، دونَ الرّمل والتّراب وقطْر السَّحاب.
وقال بعضُهم: يدنو الشِّهاب قريباً،
ونراه يجيء عَرْضاً لا مُنْقضاً ولو كان الكوكب هو الذي ينقضُّ لم
يُر كالخيط الدّقيق، ولأضاء جميع الدُّنيا، ولأحرق كلَّ شيء مما على وجْه الأرض..
فليس لكم أن تقضوا بأنّ المباشر لبدَن الشيطان هو الكوْكب حتى لا يكون غير ذلك،
وأنتم تسمعونَ اللّه تعالى يقول: " فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ "
[الصافات: 10] ".
يقصد بذلك: أن الذي يصيب بدن
الشيطان، هو أثر حرارة النار الناتجة عن احتكاك الجرم السماوي بالغلاف الجوي
للأرض، ونراه على صورة ضياء، لا عَين الجرم الموجود في مركزه ( الأثَرُ للعَرَضُ
لا الجَوْهَر).
وأضاف فائدة أخرى في الموضع ذاته:
" وطعن بعضهم من جهة أخرى فقال: زعمتم أنّ اللّه تبارك وتعالى قال: "
وَحِفْظًاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مَاردٍ، لا يَسَّمَّعُونَ إِلى الملأ الأعْلى
وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُوْرَاً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ "
وقال على سَنَنِ الكلام: " إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فأتْبَعَهُ شهَابٌ
ثاقبٌ " [الصافات: 10] قال: فكيف تكون الخطفة من المكان الممنوع ؟
قيل له: ليس بممنوعٍ من الخطفة، إذ
كان لا محالة مرمِيّاً بالشِّهاب، ومقْتُولاً، على أنّه لو كان سلِمَ بالخطْفة لما
كان استفاد شيئاً ".
4. السماوات السبع: هذا من الغيب،
ومن الممكن أن يكشف العلم حقيقته فيما بعد.. ولا يشترط أن تكون السماء كالسطح
الأملس، فكل ما علا وارتفع يسمى سماء، ولذلك يقال لسقف البيت، والسحاب.. سماء.
والآية الأولى جاءت في ختام سورة
الطلاق، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة: " اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ
بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) ".
آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان
في هذا الكون العظيم، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولاً أمام التعبير، وأمام
مدلوله، وأمام هذا الإعجاز القرآني.
ما هذه السماوات ؟ وما هذه
الأرضين ؟ كلٌّ ينظر من زاوية خاصة، وكلٌّ يجد في الآية ما يبهره.
قد تكون السماء التي توصل علمنا
إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع، والكرة الأرضية التي
نعيش عليها هي أيضاً كذلك ! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا، ويذكر أن المجموعة
الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا
الله الذي خلقها.
فهذا إعجاز قرآني؛ إذ لم يكن محمد r يدرس علم الفلك ولا يعرف شيئاً عن هذه المستكشفات الحديثة.
وفي اللغة العربية يذكر العدد لإرادة
التكثير، ويعبرون عنه بأنه عدد لا مفهوم له، وهذا كما تقول لصديقك: زرتك ألف مرة
ولم تزرني. فأنت لا تريد ألفاً بعدده، وإنما تريد زرتك مرات كثيرة، فإذا حملنا
العدد في الآية هذا المحمل، فالمعنى أن الله خلق سماوات كثيرة وأراضين كثيرة، وهذا
حق وواضح.
" وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ
سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ " [سورة
الأنبياء:32]..
والسماء هي كل شيء نراه فوقنا،
وفهمهم أن السماء لا تكون إلا بمعنى الفضاء، وهو جهل فاضح، لقد كان العرب يقولون
لمحمد r أسقط السماء علينا كسفاً؛ أي قطعاً، فهل كانوا يعنون
الفضاء ؟
ونحن ننظر إلى الأعلى ليلاً ونهاراً
فنرى الكواكب السابحة، لا نستطيع نحن ولا تستطيع الجن والإنس أن تغير من نظامها
شيئاً، أو تعدل فيه أدنى تعديل ؟ كما أننا لا نستطيع حتى الوصول إليه، لقد
كان من أعاجيب العلم أن وصل الناس إلى أرض القمر، والقمر تابع للأرض وكوكب
ضئيل ! فأين الجهد البشري من هذه الكواكب البعيدة الجبارة ؟ وأين هي ؟
وما مدى العلم بها ؟
5. النسيء: الآية الكريمة لم يقل أحد
بأن المقصود بالنسيء فيها هو الأشهر الشمسية، بل المقصود: تلاعب بعض العرب في
تحديد الأشهر الحرم، فإن كان لهم قوة وأرادوا غزو قبيلة ما في الأشهر الحرم،
يقولون: نحن لسنا في شهر حرام. وإن أرادت قبيلة غزوهم وهم في ضعف قالوا: نحن في
شهر حرام، رغم أن الشهر ليس كذلك. فجاء الإسلام وحدد الأشهر الحرم وأبقاها في
مكانها.
6. إغاثة مصر: لم تنص الآية الكريمة
على أن الغيث (المطر) النازل على منطقة مصر بالتحديد، هو سبب غوث أهلها. كما أن
المقصود بكلمة: " يُغَاثُ " الإعانة.[13] فإن وقع شخص في حفرة وقال: أغيثوني، لا يلقي
عليه الناس الماء، بل يساعدونه. كما أنك لو فسرت الغيث بالمطر بحسب الآية الكريمة
فهو صحيح؛ لأن سبب فيضان النيل نزول المطر (الغيث) عند منابع النيل، في هضبة
البحيرات الأفريقية.
7. وجود شجر الزيتون في سيناء: لم
تنص الآية الكريمة على كثرة وجود شجرة الزيتون في سيناء، بل لم تنص على أن الشجرة
التي تنبت بالدهن هي شجرة الزيتون تحديداً.. بل ذلك من اجتهاد المفسرين.
نعم الزيتون في الشام أكثر، ولكن ذلك
لا ينفي وجود الزيتون السينائي المعروف علمياً باسم (Oleasinaensis). وضربُ المثال على خلقها في صحراء سيناء القاحلة ـ لا بلاد
الشام الخصبة ـ أبلغ في بيان قدرة الله تعالى على الخلق والعناية. وذكر الدكتور
زغلول النجار، أن الموطن الأصلي لشجرة الزيتون هو منطقة سيناء، ومنها انتشر إلى
حوض البحر المتوسط وأنحاء العالم.
8. جريان الشمس: ما جاء في الآية
الكريمة صحيح، فهي تدور حول نفسها. وهي ـ والمجموعة الشمسية ـ يدورون حول المجرة،
والمجرة مع مجموعاتها تدور حول الكون، فكل في فلك يسبحون.
تلك إجابة أشهر شبهاتهم حول الأخطاء
الجغرافية في القرآن الكريم.
في المقابل: إن سألت الكتاب المقدس
عن سبب ظاهرة (قوس قزح) فستجد الإجابة في سفر التكوين [9/13-16]: " وضعت قوسي
في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى انشر سحاباً على الأرض
وتظهر القوس في السحاب أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حيه في كل جسد
فلا تكون أيضا المياه طوفاناً لتهلك كل ذي جسد ".
وتفسير
هذه العبارة: بعدما أغرق الله الأرض، ونجى سيدنا نوح ومن معه من الطوفان، قال
الرب: ـ على حسب تعبير الكتاب المقدس ـ سوف لا أغرق الأرض مرة أخرى، وسوف أضع قوس
قزح في السماء كعلامة؛ لكي لا أنسى وأُغرِق الأرض مرة أخرى، فعندما أرى قوس قزح،
أتذكر أني أغرقت الأرض، ولا داعي لأن أغرقها مره أخرى.