صفةُ الحرفِ: هي الكيفيَّةُ التي تعرضُ له حالَ نُطقِهِ في المخرج من جهرٍ
ورخاوةٍ ونحوِ ذلك.
فائدة الصفات:
أ- إنها تعطيك مميزاتٍ لكل حرفٍ ليتميَّز عن الحرف الآخر الذي يخرج معه من
نفس المخرج، فمثلاً: الطاء والتاء والدال، مخرجها واحد ولكن الصفات هي التي
تُميَّز كل حرفٍ عن أخيه.
ب- معرفة الحرفِ القويِّ من الحرف الضَّعيف، وهذا ينبني عليه معرفة ما
يُدغم مما لا يدغم من الحروف لأنَّ القويَّ لا يدغم في الضعيف.
ج- تحسينُ النطقِ بالحروف، وتجميلها بالرغم من اختلاف مخارجها.
وتنقسم صفات الحروفِ إلى قسمين:
أ- صفات متضادَّة.
ب- وصفات غير
متضادّة.
أ- أما الصفات المتضادة: فهي عشر:
أولاً: الهمس، وضدُّ: الجهرُ.
ثانياُ: الشَّدَّةُ،وضِدُّها: الرَّخاوةُ، وبينهما
التَّوسُّطُ.
ثالثاً: الاستعلاءُ، وضِدُّهُ: الاسْتِفَالُ.
رابعاً: الإطْباقُ، وضِدُّهُ: الانْفِتَاحُ.
خامساً: الإذْلاقُ، وضِدُّهُ: الإصْمَاتُ.
قال ابن الجزريّ:
صِفَاتُهَا: جَهْرٌ، ورِخْوٌ، مُستَفِلْ*مُنفَتِحٌ: مُصْمَتَةٌ، والضِّدَّ قُلْ
ب- وأما غير المتضادة فسبع:
الصفيرُ، القلقلةُ، اللّين، الانحرافُ، التَّكريرُ، التَّفشِّي،
الاستطالةُ.
وعلى هذا فمجموع صفات الحروف سبع عشرة، تضاف إليها صفة البينيَّة أو
التَّوسُّط، فتصبح ثماني عشرة، واليك بيانها بالتفصيل:
أ- الصفات المتضادة:
1- الهمس:
لغةً: الخفاء.
واصطلاحاً: جريان النَّفس عند النُّطق بالحرف لضعف الاعتماد على المخرج،
وحروفه: عشرةٌ يجمعها قولهم: «فحثَّهُ شخصٌ سكتَ» مثل: ﴿ يَفْعَلْ﴾، ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾، ﴿ مَثْنَى ﴾، ﴿
يَشْكُرُونَ
﴾، ﴿ إِخْوَةٌ ﴾، ﴿ أَصْحَابُ ﴾، ﴿
وَاسْتَكْبَرَ
﴾، ﴿ كُوِّرَتْ ﴾.
قال ابن الجزريّ:
مهموسها «فحثَّه شخصٌ سكتْ»
..................
ملاحظات حول الهمس:
الملاحظة الأولى:
إنَّ الهمسَ يكون واضحاً ظاهراً في حروفه إذا كانت ساكنةً، أما إذا كانت
متحركةً فهل يوجد فيها همسٌ...؟ نعم إن أصل الهمْس يبقى فيها – كما قرَّر ذلك العلماء
– فينبغي ألا يبالغ القارئُ في إذهاب أصل الهمْس منها حتى تصبحَ مجهورةً كأنها
دالٌ، وذلك في مثل: ﴿كُنتُمْ، نَتَمَارَى﴾.
الملاحظة الثانية: ينبغي أن يراعيَ القارئ لسانه أثناء
نطقه بالهمْسِ، فلا ينبغي أن يبالغ في نطق همْس التاء حتى تصبح سيناً، كما يفعله
بعض المثقفين تظرفاً في نحو ﴿تَتَوَفَّاهُمُ﴾، ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ﴾، ولا الكاف حتى تصبح ممزوجةً بالشين، كما
يفعله بعض الأعاجم في قولهم: أكبر.
الملاحظة الثالثة:
هل فرَّق علماءُ التجويد بين الهمْس وسط الكلمة وبين آخر الكلمة في الوقف،
يكون أمكن من الهمْس في وسطها، وذلك لأن اللّسان يرتاح في الوقف، وليس لديه حرف
آخر يتهيأ لنطقِهِ فيخرج الهمْسُ ممكَّناً، بينما في درْج الكلام يكون اللسان
مشغولاً بالحرف الذي بعد المهموس فيخفُّ الهمْسُ قليلاً، والله أعلم.
2- الجَهْرُ:
لغةً: الإعلانُ.
واصطلاحاً: انحباسُ جريِ النَّفسِ عند النُّطق بالحرف لقوَّة
الاعتماد على المخرج، وحروفه: تسعة عشر، وهي ما سوى حروف الهمْسِ، مثل:
﴿قَبْلُ﴾، ﴿وَالطَّارِقِ﴾، ﴿الدُّنْيَا ﴾.
3- الشِّدة:
لغةً: القوَّةُ.
واصطلاحاً: انحباس جري الصَّوتِ عند النُّطق بالحرف؛ لكمال قوَّة
الاعتماد على المخرج.
وحروفها:ثمانية، مجموعة في لفظ: أجِدْ قَطٍ بَكَتْ.
قال ابن الجزريّ:... شديدها لفظُ « أجِدْ قَطٍ بَكَتْ»
ملاحظتان حول حروف الشِّدَّة:
الملاحظة الأولى:
لاحظ الفرق بين الجهْر والشِّدَّة: إن الجهرَ انحباسُ جري النَّفسِ.
أما الشدة: فهي انحباسُ جري الصَّوت، وحاولْ أن تطبِّقَ ذلك
بنفسك بأن تنطقَ: ﴿السَّمَآءَ﴾، أرأيت كيف
انحبس الصوت والنفس معاً لأنَّ الهمزة حرف شديدٌ مجهور، بينما لو نطقت
لفظ:﴿كِتَابَكَ﴾ تلاحظ أن الصوت انحبس بينما
النفس جارٍ، إذاً فالكاف شديد مهموسٌ غير مجهور.
الملاحظة الثانية:
إذا أردت أن تفرق بين المهموس والمجهور، قم بهذه التجربة: ضع السبابة
والإبهام على حنجرتك وانطق الحرف وحده، فإن أحست بذبذبات تهتز في الحنجرة فهو
مجهور، وإن لم تحس بذلك فهو مهموس، والمثال الواضح على ذلك: [ث،ذ].
الملاحظة الثالثة:
لما كانتِ الحروفُ الشديدة ثقيلةً في النطق تخلّص العرب من هذه الشدّة:
فقلقلوا خمسة حروف من الحروف الشديدة وهي حروف [قطب جدٍ]، وهمسوا الكاف والتاء،
وسهَّلوا الهمزة وأبدلوها.
4- الرخاوة:
لغة: اللين.
واصطلاحاً: جريان الصَّوت مع الحرف لضعف الاعتماد على المخرج.
وحروفها: ستة عشر، وهي ما عدا حروف الشِّدَّةِ والتَّوسُّطِ.
وهناك حروف متوسطة بين الشدة والرخاوة، وهي خمسة يجمعها قولهم: «لِنْ
عُمَر» وإنما وُصِفَتْ بذلك أي بالتوسط لأن الصوت لم ينحبسْ معها انحباسه مع
الشديدة ولم يجرِ مها جريانه مع الرِّخوة.
قال ابنُ الجزريّ:
وبين رِخوٍ والشدَّيد «لِنْ عُمَرْ»....................
ملاحظة:
ينبغي أن يحذرَ القارئ عند نطقه للحروف البينية من أن يتكئَ عليها اتكائة
طويلة تشبه اتكاءَه على الحروف الرخوة، فإن الزمن الذي يستغرقه الحرف البينيّ أقل
من الزمن الذي يستغرقه نطق الحرف الرخو نسبياً، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ﴾، ﴿الرَّحْمَنِ﴾، ﴿وَيَعْلَمُ﴾.
5- الاستعلاء:
لغة: العلوّ.
واصطلاحاً: ارتفاع أقصى اللسان – عند النطق بالحرف – إلى الحنك
الأعلى.
وسمِّيتْ بذلك لارتفاع أقصى اللسان عند النطق بها إلى الحنك الأعلى
وحروفها: سبعة يجمعها قولك: «خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ».
قال ابن الجزريّ:
................
وَسَبْعُ عُلْوٍ «» حَصَرْ
ملاحظات حَوْلَ الاستعلاء
والتفخيم:
الملاحظةُ الأولى:
من لوازم حروف الاستعلاء التفخيم، ولذلك ينبغي أن نتطرق إلى التفخيم
وتعريفه ومراتبه، وضدُّ الاستعلاءِ الاستفالُ، وحكمه الترقيق.
التفخيم: لغةً: التَّسْمِينُ.
واصطلاحاً: سِمَنٌ يدخلُ على جسم الحرف فيمتلئُ الفم بصداه، أو: جعل
الحرف سميناً في المخرج، قوياً في الصِّفة، ويقابله الترقيق.
الترقيق: لغةً: التنحيفُ.
واصطلاحاً: تنحيفُ الحرف بجعله في المخرج نحيفاً، وفي الصِّفة ضعيفاً،
أو: نُحُولٌ يدخلُ على جسم الحرف فلا يمتلئ الفم بصداه.
الملاحظة الثانية: مراتب التفخيم:
التفخيم على خمسِ مراتبَ:
1- أن يكون حرف الاستعلاء مفتوحاً وبعده ألفٌ، مثل: ﴿خَالِدُونَ﴾.
2- أن يكون حرف الاستعلاء مفتوحاً وليس بعده ألف مثل: ﴿ظَلَمَ﴾.
3- أن يكون حرف الاستعلاء مضموماً، مثل: ﴿قُتِلُواْ﴾.
4- أن يكون حرف الاستعلاء ساكناً، مثل: ﴿فَيَقْتُلُونَ﴾.
5- أن يكون حرف الاستعلاء مكسوراً، مثل: ﴿قِيلَ﴾.
وبعضهم جعل مراتب التفخيم ثلاثة: المفتوحة، ثم المضمومة، ثم المكسورة،
وأما الساكنة فتأخذ مرتبة الحرف الذي قبلها.
الملاحظة الثلاثة:
قد يُفْهَمُ من هذه المراتبِ أن المرتبة الخامسة تكون مرقَّقةً، وهذا فهمٌ
ليس بصحيح، بل إنَّ الَّذي تلقَّيناه – وهو مذهب أهل التحقيق – أن أدنى مرتبةٍ من
مراتب التفخيم هي أعلى من الترقيق، وإن الكسر في حروف الاستعلاء يضعف التفخيم ولا
يُلغيه نهائياً.
قال الشَّيْخ محمَّد المتولّي – رحمه الله - :
فَهْيَ وَإِنْ تَكُنْ بِأََدْنََى مَنْزِلَه فخِيمَةٌ قطعاً مِنَ المُسْتَفِلَه
فَلا يُقَالُ إِنَّها رَقيقَه كَضِدِّها، تِلْك
هِيَ الحَقِيقَه
الملاحظة الرابعة:
إن كثيراً من الناس يُخرجون القافَ في المرتبة الخامسة مهموساًً أو مشوبة
بقليل من الهمس، وذلك بسب الكسر، مثل: ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾ وهذا خطأ ينبغي
الانتباه إليه، ويكثر ذلك في مثل: ﴿الْمُتَّقِينَ﴾، وقد كررت
التنبيه عليه.
فقد ذهب بعض من المعاصرين ممن كتب في علم الصَّوتيات إلى أن القاف والطاء
حرفان مهموسان، ومحجتهم ما يسمعونه من نطق عامة الناس لهما، وهذا خطأٌ، والتحقيقُ
أنهما حرفان شديدانِ مجهورانِ مُقلقلانِ مُفخَّمانِ.