هارونُ: اسمُ علمٍ أعجمي، ممنوع من الصرف للعلميةِ والعُجمة.
ونقل الفيروزآبادي أنّه مشتقٌّ من (الأرْن) وهو النَّشاط. قال في البصائر: «هارون: اسمٌ أعجمي غير منصرف.. وقيل: هو مُعَرَّبُ (أَرُون). والأَرْنُ النشاط، سُمِّيَ به لنشاطه بالطاعة، ثم قيل: هارون».
صحيحٌ أنَّ (الأَرْنَ في اللغة هو النشاط)، لكنَّ الصحيح أنَّه لا صلة بين الأَرْنِ الذي هو النشاط وبي اسم هارون.
إنَّ الراجح أنَّ (هارونَ) اسم علم أعجمي. قال الأزهري: «اسم هارون مُعرب، لا اشتقاق له في العربية».
وقال السمين الحلبيُّ: «هارونُ: هو اسم النبيِّ العلم المشهور أخو موسى عليهما الصلاة والسلام. قال الراغب: هو اسمٌ أعجمي، ولم يَرِدْ في شيءٍ من كلام العرب. يعني لم تَرِدْ هذه المادةُ في لغتهم...».
وردَ (هارونُ) عشرين مرةً في القرآن: مرةُ في سورة البقرة، ومرةً في سورة النساء، ومرةً في سورة الأنعام، ومرتين في سورة الأعراف، ومرةً في سورة يونس، ومرتين في سورة مريم، وأربع مراتٍ في سورة طه، ومرةً في سور: الأنبياء، والمؤمنون، والفرقان، والقصص، ومرتين: في سورة الشعراء، وفي سورة الصافات.
وهارونُ نبيٌّ كريمٌ، أخٌ لموسى النبيِّ الرسولِ عليهما الصلاة والسلام، باعتراف موسى نفسه، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [القصص:34].
وبداية هارونَ مبهمةٌ في القرآن، فلا نعرف هل هو أكبر من موسى أو أصغر منه، ولا نعرف لماذا نجا من ذبح فرعون، الذي كان يذبح أبناء بني إسرائيل، فموسى نجا بتقدير الله، الذي قدَّرَ بحكمته أنْ يتبنَّاه فرعون ويربّيه، أما كيفَ نجا هارونُ فإنَّنا لا نعلم ذلك.
ولما كلَّم اللهُ موسى عليه السلام على جبل الطور، وكلَّفه بالذهاب إلى فرعون، طلب منه أنْ يرسل معه أخاه هارون، ليكونا وزيراً ومساعداً وردْءاً له. قال تعالى: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي29/20هَارُونَ أَخِي30/20اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي31/20وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي32/20كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا33/20وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا34/20إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طه:29- 35].
وشهد موسى عليه السلام لأخيه هارونَ بأنَّه أفصح منه لساناً، وهذه فضيلةٌ تُسجَّلُ لهارون بشهادة أخيه له، عليهما السلام.
وكان هارونُ مع موسى عليهما السلام، في مواجهة فرعون ودعوته، حيث قال الله لهما: ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي42/20اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى43/20فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى44/20قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى45/20قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:42- 46].
وأشرف هارونُ مع موسى عليهما السلام على تربية وتوجيه المؤمنين من بني إسرائيل، قبل خروجهم من مصر، وأخبرنا الله عن ذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:87].
ولما أراد موسى عليه السلام الذهاب إلى جبل الطور لمناجاة الله، استخلف عليهم أخاه هارون، وأوصاه أنْ يكون حريصاً عليهم، مُصلحاً لهم. قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف:142].
وأثناء غياب موسى عليه السلام على جبل الطور، وقعت فتنة عبادة العجل في بني إسرائيل، حيث أتاهم السامريّ، وطلبَ منهم أنْ يتخلَّصوا من ما معهم من الحليّ والزينة التي أخذوها من المصريين، فسلَّموها له، وصنع منها عجلاً جسداً ذهبياً له خوار.. وقال لهم السامريّ: هذا إلهاكم، وإله رسولكم موسى، وموسى نسيَ أنّ هذا هو إلهه، فذهب يبحث عنه عند جبل الطور، ودعاهم إلى عبادة ذلك العجل.
وفوجئ هارونُ عليه السلام بهذا الكفر الذي يمارسه قومه، وهو النبيُّ الكريم الذي استخلفه أخوهُ عليهم، ونهاهم وزجرهم. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي90/20قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه:90- 91].
وأخبر الله موسى وهو على جبل الطور أنَّ السامريَّ قد أضلَّ قومه، ودعاهم إلى عبادة العجل، وجاء موسى إلى قومه غضبان أسفا، وبدأ بمحاسبة أخيه هارون، وصار يأخذ بلحيته ورأسه، وهارون يستعطفه. قال تعالى: ﴿قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا92/20أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي93/20قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه:92- 94].
وبعد أن استعصى بنو إسرائيل على موسى عليه السلام، ولم يتجاوبوا معه، نفض يديه منهم، وأخبر أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه. قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة:25].
وكما كانت بداية هارونَ عليه السلام مبهمة، كذلك كانت نهايته مبهمة، فلا نعرف متى مات وكيف، ولا نعرفُ أينَ دُفن، وإنْ كانَ ظاهرُ قصة موسى عليه السلام يوحي أنَّ هارونَ ماتَ قبلَه. واللهُ أعلم.
- معجم الأدوات النحوية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.
- تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.
- معجم لسان العرب: الإمام ابن منظور.