إبليس: اسمُ علم أعجمي، ممنوع من الصرفِ للعلمية والعُجمة، فهو بالفتحة بدل الكسرة.
وهذا الاسم أُطلقَ على أول كافر، وهو الذي أمره اللهُ أنْ يسجدَ لآدم، فأبى وكفر وتمرَّد، وقال: أنا خيرٌ منه، خلقتني من نارٍ وخلقته من طين.
وورد اسمُ (إبليس) إحدى عشرة مرةً في القرآن: مرةً واحدةً في كلٍّ من سور: البقة والأعراف والإسراء والكهف وطه والشعراء وسبأ، ومرتين في كلٍّ من: سورة الحجر وسورة ص.
وذهب بعض العلماء والمفسرين إلى أنَّ اسم (إبليس) عربيٌّ مشتقٌّ وجذره الثلاثي (بَلَسَ). ولذلك ذكره محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله ضمن تصرفات هذه المادة.
قال الراغب في المفرادت: «الإبلاس: الحزن المعترض من شدة اليأس، يقال: أَبْلَسَ. ومنه اشتُقَّ إبليس، فيما قيل...».
وعلى هذا الرأي ابن منظور صاحبُ لسانِ العرب، حيث قال: «أبلسَ الرجل: قُطِعَ به، وأَبْلَس: سكت. وأَبَلَسَ من رحمة الله، أي: يَئِس وندم. ومنه سُمي إبليس، وكان اسمه (عزازيل).
وفي التنزيل قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الروم:12].
وإبليسُ لعنه الله مشتقٌّ منه، لأنه أُبْلِسَ من رحمة الله، أي: أُويسَ منه.
وقال أبو إسحاق: لم يصرف لأنه أعجمي معرفة».
ولَسْنا مع هؤلاء في اشتقاق إبليس من البَلْس أو الإبلاس، وإنما هو اسم علم أعجمي، ممنوع من الصرف للعملية والعجمة، وعلى ذلك دليلان:
الأول: أنَّ (إبليس) مخلوقٌ قبل آدم أبي البشر، وسُمي بهذا الاسم قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام، وقبل أن يتكلم أول عربيٍّ بكلمةٍ عربية بمئات الآلاف من السنين.
الثاني: أن (إبليس) لم يأتِ في القرآن إلَّا ممنوعاً من الصرف، لأنه اسم علم أعجمي، ولو كان مشتقاً من الإبلاس- وهو اليأسُ الشديد- لكان مصروفاً.
علينا أن نفرق بين المادة العربية (بَلَسَ) التي بمعنى: يَئِسَ وتحيّر، وبين الاسم الأعجمي (إبليس).
وقد وردت من تلك المادة في القرآن صيغةُ الفعل المضارع الرباعي (يُبلس)، وصيغةُ اسم الفاعل المجموع جمع مذكّر سالم (مبلسون).
وإذا لم يكن (إبليس) مشتقاً من الإبلاس، وهو اليأسُ من رحمة الله، فلا نبحثُ له عن معنى في اللغة العربية، لأنه اسم أعجمي.
والغريب أنْ يزعم بعضهم أنَّ لإبليس اسمين: اسمٌ قبل كفره وعصيانه، هو (عزازيل)، كما نقلْنا قبل قليل عن لسان العرب، واسمٌ بعد كفره هو (إبليس) لأنه يئسَ من رحمة الله!.
وهذا الزعمُ ليس عليه دليل، ولا يجوز أنْ نفسِّرَ كلا الله بما لا يصحُّ من الروايات والأقوال.
لقد كان إبليسُ مخلوقاً قبل آدم عليه السلام، وكان مع الملائكة في الجنة، بدليل أنه شمله الأمر بالسجود لآدم، لكنه عصى وأبى واستكبر، ولما سأله الله عن سبب عدم سجوده قال: أنا خيرٌ من آدم، خلقتني من نار وخلقته من طين، وقد حكم الله عليه باللعن والرجم والطرد من الجنة، وبعد أن وسوس لآدم وحواء، وحملهما على الأكل من الشجرة، أهبطه الله معهما إلى الأرض، فهو يعيش عليها.
وقد طلب إبليس من الله أن يبقيه حياً إلى يوم البعث، وهو خبيثٌ ماكرٌ في هذا الطلب، إنه يريد منه أن يحصل على الخلود، وأن لا يجري عليه الموت، لأنه إذا بقي حياً إلى يوم البعث فإنَّ معناه أنه لم يمت، لأنَّ اللهَ سيُميتُ الأحياءَ المخلوقين جميعاً، وسيبعثهم بعد ذلك، وإبليس حيٌّ ينظرُ إليهم عند موتهم وبعثهم.
وسنةُ اللهِ أنَّ كلَّ مخلوق لا بدَّ أنْ يموت حتى الملائكة كلهم سيموتون، ولذلك أخبره اللهُ أنه سيبقى حياً إلى يوم الوقت المعلوم، وهو الوقت الذي قدَّره الله لإنهاء حياته، حيث سيميته عند مجيء ذلك الوقت؛ قال تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ32/15قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ33/15قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ34/15وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ35/15قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ36/15قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ37/15إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [الحجر:32-38].
وهذا معناه: أنّ إبليس من أطول المخلوقين عمراً، فقد كان موجوداً قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام، ولا نعلم المدة بين خلقه وبين خلق آدم، وسيبقى حياً حتى قرب قيام الساعة، وهذا معناه أن عمره ملايين السنين! ولا غرابة في ذلك لأنَّ الأمر الله، فهو الذي قدَّر أن يعيش هذه المدة الطويلة البالغة ملايين السنين، وهو فعالٌ لما يريد سبحانه وتعالى.
وإبليس من الجنِّ وليس من الملائكة، ولكنَّه كان معهم، فشمله أمر الله لهم بالسجود لآدم، ولا ندري سبب كونه مع الملائكة، ولا عمله بينهم، لأنَّ الله لم يخبرنا بذلك.
ولا يمكن أن يكون إبليس من الملائكة، لأنه لو كان منهم لما عصى الله، فهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يُؤمرون.
ثم إنَّ الملائكة مخلوقون من النور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقَ الله الملائكة من نور، وخلقَ الجنَّ من ار، وخلقَ آدم مما وصف لكم».
وإبليس صرَّحَ بأنَّ الله خلقه من نار: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف:12].
وصرَّحَ القرآنُ بأنَّ إبليس كان من الجن، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف:50].
ولا أدري لماذا يُصرُّ بعضهم على أنَّ إبليس كان من الملائكة مع هذا البيان القرآنيِّ الصريح في أنه كان من الجن؟!.
ووصف الله بأنه شيطان، وورد هذا الوصف في آياتٍ عديدةٍ، منها قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ [البقرة:36].
ومنها قوله تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى﴾ [طه:120].
والشيطان كلمةٌ عربيةٌ مشتقة، وجذرها الثلاثي (شَطَنَ)، ومعناها: ابتعد. يقال: شَطَنَ فلان: إذا ابتعد.
ووُصف إبليس بأنه شيطان، لأنه ابتعد عن رحمة الله، وذهب بعيداً في معصية الله. ولذلك أخذ الأمرين: الاسمَ: إبليس. والوصفَ: شيطان.
وهذا الوصفُ (شيطان) ليس خاصاً بإبليس، وإنما هو عامٌّ يُطلق على كلِّ كافرٍ متمرد، سواء كان من الجنِّ أو من الإنس.
وقد وردت كلمةُ (شيطان) بصيغة المفرد سبعين مرة في القرآن، وبصيغة الجمع ثماني عشرة مرة.
وكلُّ الكافرين من الجنِّ والإنس شياطين، أعضاءٌ في حزب الشيطان، الذي يقودُه إبليس قائد الشياطين إلى نار جهنم! قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المجادلة].
* * *
* أهم المصادر والمراجع:
- الأعلام الأعجمية في القرآن الكريم: د. صلاح الخالدي.
- الإتقان في علوم القرآن: الإمام السيوطي.
- حجة القراءات: ابن زنجلة.
- معجم لسان العرب: ابن منظور.