شاهد من عصرنا علي انشقاق القمر
عقب محاضرة لي عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ألقيت باللغة
الإنجليزية في كلية الطب بجامعة كاردف عاصمة مقاطعة ويلز في غربي الجزر
البريطانية, دار حوار ممتع مع جمهور الحضور من المسلمين وغير المسلمين, ومن
جملة الأسئلة التي أثيرت من أحد الحضور سؤال عن واقعة انشقاق القمر كما جاء ذكرها
في مطلع سورة القمر, وهل تمثل لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في كتاب الله؟
وعلي الفور أجبت بأنها معجزة من المعجزات الحسية العديدة التي حدثت تأييدا لرسول
الله( صلي الله عليه وسلم) في مواجهة تكذيب كفار قريش لبعثته الشريفة, وأن
المعجزات هي خوارق للسنن والقوانين الحاكمة للكون, فلا يستطيع العلم الكسبي
تفسيرها, ولو استطاع تفسيرها ما كانت معجزة.
وأضفت أن المعجزات الحسية التي جاء ذكرها في كتاب الله, أو في سنة رسوله( صلي
الله عليه وسلم) هي حجج علي من شاهدها من الخلق, وبما أننا لم نشاهدها فهي
ليست حجة علينا, ولكننا نؤمن بوقوعها لورود ذكرها في كتاب الله أو في الأقوال
الصحيحة المنسوبة إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم), وكتاب الله كله حق
مطلق, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ورسول الله( صلي الله عليه
وسلم) يصفه القرآن الكريم بقول الحق( تبارك وتعالي): وما ينطق عن الهوي,
إن هو إلا وحي يوحي, علمه شديد القوي( النجم:3 ـ5).
وحادثة انشقاق القمر جاء ذكرها في مطلع سورة القمر, علي أنها قد وقعت بالفعل
تحديا لكفار ومشركي قريش, وتأييدا لرسول الله( صلي الله عليه وسلم) في
مواجهة تكذيبهم لنبوته ولرسالته, ولم يرو عن أحد منهم تكذيب تلك الواقعة التي
نسبوها تارة لتعرضهم هم لعملية سحر, وتارة أخري لتعرض القمر للسحر, حتي هيئ
لهم أنه قد انشق بالفعل مما يفهم منه تأييدهم لوقوع تلك المعجزة, وإن حاولوا
التقليل من شأنها بنسبتها إلي السحر...!!, ثم عاودوا نفي فرية السحر بأنفسهم
وذلك بقول نفر من عقلائهم ـكما جاء في روايات الواقعة ـ: لئن كان قد سحرنا فإنه
لا يمكن أن يكون قد سحر معنا المسافرين خارج مكة; فتسارعوا إلي مداخل المدينة في
انتظار الركبان القادمين من السفر, وعند سؤالهم شهدوا بأنهم في الليلة نفسها
التي شاهد فيها أهل مكة تلك الواقعة رأوا هم كذلك انشقاق القمر إلي فلقتين تباعدتا
عن بعضهما البعض لعدة ساعات ثم التحمتا, فآمن من آمن وكفر من كفر. ولذلك تقول
الآيات في مطلع سورة القمر:
اقتربت الساعة وانشق القمر* وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر*وكذبوا
واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر* ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر* حكمة
بالغة فما تغني النذر( القمر:1 ـ5).
كذلك روي حادثة انشقاق القمر بصورة متواترة عدد غير قليل من كبار صحابة رسول
الله( صلي الله عليه وسلم) من أمثال عبدالله بن عباس, وعبدالله بن عمر,
وعبدالله بن مسعود, وأنس بن مالك, وجبير بن مطعم( رضي الله تبارك وتعالي عنا
وعنهم أجمعين), ولا يمكن أن تجتمع كلمة هؤلاء جميعا علي باطل, وهم من أهل
التقي والورع( ولا نزكي علي الله أحدا). وقد حقق أحاديث انشقاق القمر عدد كبير
من أئمة علماء الحديث في مقدمتهم البخاري, ومسلم, وأبو داود, والترمذي,
والنسائي, وبن ماجة, وأحمد, والبيهقي, وغيرهم كثير مما يجزم بوقوعها,
ومن هنا فإننا نرفض قول بعض المفسرين إن الحادثة من إرهاصات الآخرة انطلاقا من
استهلال السورة بقول الحق( تبارك وتعالي):
اقتربت الساعة وانشق القمر; وهؤلاء قد لا يعلمون أن عمر الأرض التي نحيا عليها
يقدر بنحو خمسة آلاف مليون سنة( علي أقل تقدير), وأن عمر مادة كل من الأرض
والكون المحيط بها يقدر بنحو عشرة آلاف مليون سنة( علي أقل تقدير), وأن بعثة
المصطفي( صلي الله عليه وسلم) كانت منذ أربعة عشر قرنا فقط, ونسبة هذا
التاريخ إلي ملايين السنين التي مضت من عمر كل من الأرض والكون يؤكد قرب نهاية
العالم. ولذلك يروي عنه( عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) قوله الشريف:
بعثت أنا والساعة هكذا وأشار بإصبعيه السبابة والوسطي. وهي قولة حق خالص,
وإعجاز علمي صادق لأنه لم يكن لأحد في زمانه( صلي الله عليه وسلم) أدني تصور
عن قدم الأرض إلي مثل تلك الآماد الموغلة في القدم; وهذا كاف للرد علي الذين
قالوا إن في استهلال سورة القمر بالقرار الإلهي اقتربت الساعة وانشق القمر إيحاء
بأن انشقاق القمر مرتبط باقتراب الساعة, بمعني أنها إذا جاءت انشق القمر, لأن
المعجزة قد وقعت فعلا علي زمن رسول الله( صلي الله عليه وسلم). وقد يشير إلي
ذلك وجود شق كبير بالقرب من القطب الجنوبي للقمر علي الوجه الذي لا يري من فوق سطح
الأرض يزيد طوله علي225 كيلو مترا ويدعمه عدم تماثل نصفي القمر الحالي, ويؤكده
وصف القرآن الكريم لنهاية القمر بابتلاع الشمس له( لا بانشقاقه) وذلك كما جاء
في قوله( تعالي):
فإذا برق البصر, وخسف القمر, وجمع الشمس والقمر( القيامة:7 ـ9).
ويأتي العلم في قمة من قممه مؤكدا تباعد القمر عن الأرض بمعدل ثلاثة سنتيمترات في
كل سنة مما يشير إلي حتمية دخوله في مجال جاذبية الشمس فتبتلعه, وإن كان ذلك ـ
كغيره من إرهاصات الآخرة سوف يتم بالأمر الإلهي: كن فيكون, وليس بالسنن
الدنيوية التي يبقيها لنا ربنا( تبارك وتعالي) لإثبات إمكان وقوع الآخرة; بل
حتميتها.
وبعد فراغي من الإجابة علي سؤال السائل الكريم وقف بريطاني مسلم عرف نفسه باسم
داود موسي بيدكوك
(DavidMusaPidcock)
وبمنصبه كرئيس للحزب الإسلامي البريطاني, واستأذن في إمكان إضافة شيء إلي ما قلته
في إجابتي فأذنت له بذلك فقال: إن هذه الآية كانت مدخلي لقبول الإسلام دينا,
فقد شغفت بعلم مقارنة الأديان, وأهداني صديق مسلم نسخة من ترجمة معاني القرآن
الكريم فأخذتها منه شاكرا وتوجهت بها إلي مسكني, وعند تصفحها لأول مرة فوجئت
بسورة القمر فقرأت: اقتربت الساعة وانشق القمر ثم توقفت متسائلا: كيف يمكن
للقمر أن ينشق ثم يعود ليلتحم؟ وما هي القوة القادرة علي إعادته إلي سيرته الأولي؟
فتوقفت عن القراءة وكأن هذه الآية الكريمة قد صدتني عن الاستمرار في ذلك...!!
ولكن لعلم الله( تعالي) بمدي إخلاصي في البحث عن الحقيقة أجلسني أمام التلفاز
لأشاهد حوارا بين مذيع بريطاني يعمل بقناة التليفزيون البريطاني
B.B.C
واسمه جيمس بيرك
(JamesBurck)
وثلاثة من علماء الفضاء الأمريكيين, وجري عتاب علي الإسراف المخل في الإنفاق علي
رحلات الفضاء في الوقت الذي تتعرض جماعات بشرية عديدة لأخطار المجاعات,
والأمراض, وانتشار الأمية بين البالغين, ولمختلف صور التخلف العمراني والعلمي
والتقني.
ووقف علماء الفضاء مدافعين عن مهنتهم بأن الإنفاق علي رحلات الفضاء ليس مالا مهدرا
لأنه يعين علي تطوير تقنيات تطبق في مختلف المجالات الطبية والصناعية والزراعية,
ويمكن أن تعود بمردودات مادية وعلمية كبيرة, وفي غمرة هذا الحوار جاء ذكر رحلة
إنزال رجل علي سطح القمر علي أنها كانت من أكثر هذه الرحلات كلفة فقد تكلفت عشرات
المليارات من الدولارات. فسأل المحاور: هل كان كل ذلك لمجرد وضع العلم الأمريكي
علي سطح القمر؟ وجاءت الإجابة بالنفي, وبأن الهدف كان دراسة علمية لأقرب أجرام
السماء إلينا; فسأل المحاور: ألم يكن من الأجدي إنفاق تلك المبالغ الطائلة علي
عمارة الأرض؟ وجاء الجواب بأن الرحلة أوصلتنا إلي حقيقة علمية لو أنفقنا أضعاف هذا
المبلغ لإقناع الناس بها ما صدقنا أحد...!!
فسأل المحاور: وما هذه الحقيقة العلمية؟ فكان الجواب أن هذا القمر كان قد انشق
في يوم من الأيام ثم التحم بدليل وجود تمزقات طويلة جدا وغائرة في جسم القمر,
تتراوح أعماقها بين عدة مئات من الأمتار وأكثر من الكيلو متر وأعراضها بين نصف
الكيلو متر وخمسة كيلو مترات وتمتد إلي مئات من الكيلو مترات في خطوط مستقيمة أو
متعرجة. وتمر هذه الشقوق الطولية الهائلة بالعديد من الحفر التي يزيد عمق
الواحدة منها علي تسعة كيلو مترات, ويزيد قطرها علي الألف كيلو متر, ومن
أمثلتها الحفرة العميقة المعروفة باسم بحر الشرق
(MareOrientalis).
وقد فسرت هذه الحفر العميقة باصطدام أجرام سماوية بحجم الكويكبات
(ImpactofAsteroid-SizedObjects)
أما الشقوق التي تعرف باسم شقوق القمر
(RimaeorLunarRilles)
فقد فسرت علي أنها شروخ ناتجة عن الشد الجانبي
(TensionalCracks)
أو متداخلات نارية علي هيئة الجدد القاطعة, ولكن أمثال هذه الأشكال علي الأرض لا
تصل إلي تلك الأعماق الغائرة, ومن هنا فقد فسرت علي أنها من آثار انشقاق القمر
وإعادة التحامه.
يقول السيد بيدكوك: حين سمعت هذا الكلام انتفضت من فوق الكرسي الذي كنت أجلس
عليه أمام التلفاز, وتساءلت: معجزة تحدث لمحمد( صلي الله عليه وسلم) من
قبل ألف وأربعمائة سنة يثبتها العلم في زمن التقنية الذي نعيشه بهذه البساطة,
وبهذا الوضوح الذي لا يخفي علي عالم في مجال علم الفلك اليوم, فلابد أن يكون
القرآن حقا مطلقا وصادقا صدقا كاملا في كل خبر جاء به; وعلي الفور عاودت القراءة
في ترجمة معاني القرآن الكريم, وكانت هذه الآية التي صدتني في بادئ الأمر عن
الاستمرار في قراءة هذا الكتاب المجيد هي مدخلي لقبول الإسلام دينا.
ولا أستطيع أن أصف لكم وقع هذه الكلمات, ووقع النبرة الصادقة التي قيلت بها علي
كل الحضور من المسلمين وغير المسلمين فقد هزت القلوب والعقول, وأثارت المشاعر
والأفكار, ولم أجد ما أقوله أبلغ من أن أردد قول الحق( تبارك وتعالي):
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علي
كل شيء شهيد( فصلت:53).
* المصدر:
- موقع www.islamicmedicine.org
....السابق